يقولون ليس كل من حمل كاميرا يمكن أن يخرج بصورة جيدة، حتى وإن تشابهت أنواع الكاميرات، الشاب الفلسطيني إبراهيم منصور فرج «26 عاماً»، أثبت صحة هذه المقولة، حيث استطاع خلال سنوات قليلة أن يوجد لنفسه مساحة عرف من خلالها بين مصوري قطاع غزة، في خطوة منه نحو العالمية.حالة فريدة يمثلها إبراهيم في مجال التصوير، بما يعرف بفن صناعة الصور الفوتوغرافية، حيث تتركز صورة على إيجاد واقع جمالي خلاب، يختار من خلاله مكان التصوير بعناية ويختار عناصر الصورة بدقة كبيرة، لتخرج الصورة أشبه بلوحة فنية رسمها فنان مبدع. رسم بعدسته جمال المدينة التي عرفها العالم ب «مدينة الموت»، إبراهيم يُعّرف التصوير بأنه تلك العين التي تقف خلف عدسة الكاميرا وأن نوع الكاميرا ليس هو الأصل، بل حاملها هو الأساس في إخراج صورة تنطبع في الذاكرة. سعادة بالغة يشعر بها إبراهيم بعدما ذاع صيته وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً كثيرة له، تعبيراً عن الحلم مرة وعن الحب مرات أخرى، حتى بات هذا اللون يُعرَف به، فقد حاول عدد من المصورين الشباب محاكاة صور إبراهيم إلا أن العلامة المميزة بقيت له وحده دون البقية. يحب إبراهيم الأماكن الطبيعية على إطلاقها، ويجد فيها مساحة كافية للتعبير عن جماليات التصوير سواء كان ذلك في الحقول أو على شاطئ البحر، ورغم مساحة قطاع غزة المحدودة والصغيرة إلا أنه استطاع بنظرته المميزة أن ينقل جمال قطاع غزة من خلال صوره. يعتقد إبراهيم أن صوره مميزة وتنال إعجاب الكثيرين لأنه يضع بها روحاً وإحساساً خاصاً، إضافة إلى محاولته الدائمة بأن تخرج الصورة كل مرة بفكرة جديدة تنقل للمشاهدين معنى يختصر الكلمات، واصفاً صوره بأنها لا تحتاج إلى تعليق وإنما هي تحكي القصة كاملة. في تحد للعادات والتقاليد المتعبة في قطاع غزة التي تميل إلى المحافظة، ابتكر إبراهيم فكرة تصوير الثنائيات التي كانت صادمة في البداية، غير أنها وجدت قبولًا وتشجيعاً كبيرًا خصوصاً من فئة الشباب فيما بعد، عن هذه الفكرة يقول إبراهيم: كانت البداية عند حديث عادي مع صديق أحب أن يفاجئ زوجته بشيء مختلف في عيد زواجهما، واستقررنا على أن نصمم لها مجسماً لرأس قلب على شاطئ بحر غزة، الذي يعتبر مكان توافد المرتبطين والأصدقاء لجماله، خاصة عند الغروب، وبالفعل اصطحبها إلى هناك وقدم لها الهدية التي نالت إعجابها، واخترت لحظة خاصة وقمت بتصوير الزوجين بشكل جميل أعجبهم كثيراً، واستأذنتهما بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا انطلقت ثورة التعليقات منها الناقد ومنها المعجب بالفكرة، وبدأت طلبات التصوير تكثر بسبب شدة الإعجاب بالفكرة لما رأوا أنها صور تعبر عن كل المعاني الراقية لأي مجتمع. هذه الصورة حملتني الكثير، حيث أحاول كل مرة الحرص الكبير في دراسة كل تفاصيل الصورة قبل التقاطها ومراجعتها قبل نشرها أيضاً لتخرج بمستوى فني أكبر كل مرة، ساعياً إلى تطوير قدراتي، فيما يعد ويعتبر فرج المصور الأول في غزة الذي يعتمد هذه الطريقة في التصوير. وعن صوره يقول إبراهيم: أحاول نقل صورة مختلفة لغزة غير تلك الصورة النمطية التي اعتاد عليها الناس بمشاهدة القطاع المدمر عبر نشرات الأخبار، فهناك دائماً جانباً مضيئاً جميلاً على الرغم من الدمار وحصار الاحتلال الإسرائيلي لا يعرفه إلا القليل، وأنا أخذت على عاتقي إبراز هذا الوجه، وأعتقد أني نجحت إلى حد كبير غير أن هناك الكثير في جعبتي أنوي تقديمه. الحب في أجواء الشتاء الرائعة على رمال غزة، إخوان عازفان يتشاركان الحلم، طفلة تلهو بشعرها بين أمواج المتوسط، كلها أفكار لصور جسدها إبراهيم، مشاهد لم يعتد عليها المتابع الفلسطيني سوى في صور غريبة عن مجتمعه، ويعترف إبراهيم أنها كانت فكرة جريئة وصادمة ربما، لكنه فخور بأنه صاحب الريادة في كسر حاجز الخوف لدى المصورين في القطاع، لتصوير كل أشكال الحياة مبرراً أن التصوير لم يوجد لرصد المعاناة والألم وإنما لتسجيل لحظات الفرح أيضاً. أما عن كيفية إبراز جمال الصورة فيقول: إن اختيار المكان المناسب والوقت المثالي، يشكل جزءاً كبيراً من أسرار نجاح الصورة، ولا يغفل تعاون أبطال صوره معه بعد تفهمهم لفكرة الصورة يضمن نجاح جلسة التصوير ونتيجة مبدعة. ويعتبر إبراهيم أصعب مراحل الصورة، هو استنباط الفكرة من خلال المشهد أمامه، وكيف له أن يركب عناصر مختلفة قد تكون متناقضة ربما ليخرج بشيء مختلف، وهنا تأتي خصوصية صوره، على حد تعبيره، مضيفاً إلى أنه لا يحب تصوير ال «بورتريه»، إنما يفضل تصوير الأشخاص بكامل أجسادهم فالجسد يعكس هيئة الإنسان ويجعله أقرب إلى التحقق من الصورة الشخصية مع البيئة المحيطة به. رحلة إبراهيم ليست طويلة في عالم التصوير الاحترافي الذي بدأه هاوياً، غير أنه سرعان ما طور من موهبته بالكثير من الدراسة والدورات المتخصصة، والتجربة والاحتكاك، حيث كان يمتشق كاميرته وينطلق إلى مناطق طبيعية مختلفة، يمضي هناك ساعات طويلة، يلتقط كثيراً من الصور ليخرج بصورة واحدة ربما، على حد قوله. خريج صحافة وإعلام من جامعة الأقصى، لم يكن حتى عام 2012 متفرغاً لموهبته بالتصوير، إنما كان يسترق الوقت بعد عمله مستعيراً لكاميرا تخص أحد أصدقائه لممارسة هوايته المحببة منذ الصغر، حتى تمكن من شراء أول كاميرا احترافية له بعدما جمع ثمنها من خلال عمله، هذه هي اللحظة التي يعتبرها إبراهيم بدايته الحقيقية نحو عالم التصوير. من يومها ومحاولات إبراهيم للبحث دائماً عن صور جديدة، متابعاً فن صناعة الصورة، من الشخصية إلى المكان، رحلة لا تنتهي بالنسبة له، فهو دائم التنقل بين محافظات القطاع، يجول كل طرقاتها كأنه يبحث عن شيء مفقود، متلمساً طريقه هنا وهناك، معتمداً على قوة ملاحظته التي أسعفته كثيراً، متسلحاً بكثير من العزيمة والإصرار على مواصلة الطريق الذي بدأه. صوره تتحدث عن قصص حقيقية، ففي ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، التقى إبراهيم مع طفلة ترتدي فستاناً جميلاً، وطفل يرتدي زياً عسكرياً، فكر سريعاً للمزج بين فكرة الحرب والسلام، لتخرج صورة بطعم براءة الطفولة. وفي صورة أخرى، أبدع إبراهيم في تجسيد علاقة فتاة بجوادها، وهي تحتضنه على شاطئ البحر، في صورة لفتت الأنظار إلى ما يقدمه هذا الشاب خارجاً عن كل الأعراف الاجتماعية بغزة، لكنه تابع تصويره دون الالتفات إلى أسهم الانتقادات التي وجهت إليه. إبراهيم يعتبر نفسه مصوراً حراً، يحلم بالمشاركة في مسابقات دولية بعدما حرمه الحصار كغيره من الصحافيين من مغادرة القطاع، كما يطمح إلى تسجيل نجاحات كثيرة على المستوى الشخصي، ويتمنى إقامة معرضه الخاص لصوره الخاصة من قطاع غزة، على أن يكون المعرض في دولة أوروبية، ليتعرف الجمهور الغربي إلى أن غزة التي لم يسمعوا عنها سوى في الحروب هي منطقة تعشق الحياة من خلال جمال المشهد والمنظر، وتسعى إلى ذلك، وأن أناسها الطيبين يستطيعون الإحساس بالحب وقادرون على نثر مشاعرهم الإيجابية وبثها إلى العالم أجمع. إبراهيم الذي اتخذ من منصات التواصل الاجتماعي معرضاً دائماً له يمتلك جمهوراً كبيراً يقف خلفه، ويشجعه ويساند تجربته، معتبراً أن تميزه يكمن في قدرته على إبراز معاناة الناس من خلال التركيز على مواطن الجمال وسط الدمار والموت.