×
محافظة المنطقة الشرقية

مي عمر لـ «الراي»: تحقَّق حُلمي ... بوقوفي أمام «الزعيم» - مشاهير

صورة الخبر

أسدت النيابة العامة في الأراضي الفلسطينية خدمة جليلة إلى الكاتب الشاب عباد يحيى في منعها روايته «جريمة في رام الله» بذريعة «خدش الحياء العام». فخلال أيام بعد المنع، راجت الرواية وازداد الإقبال على شرائها في معظم العواصم العربية وكذلك في فلسطين المحتلة التي لم تُمنع فيها ولم تسحب من مكتباتها كما حصل في مكتبات أراضي السلطة. وخلال أيام أيضاً أصبح الروائي الشاب نجماً في الصحافة العربية والإعلام المرئي – المسموع وبات اسمه متداولاً بعدما كان شبه مغمور وشهرته وقفاً على قرائه في فلسطين وهم قلة. مُنعت الرواية إذاً في فلسطين الحكم الذاتي فقط ولم تعمد أي رقابة عربية الى ملاحقتها مبدئياً، وهي متوافرة في معظم المكتبات المعروفة ولم يرد خبر منعها في معارض الكتب ومنها مثلاً معرض القاهرة الذي أغلق أبوابه قبل أيام وكذلك معرض الدار البيضاء الذي افتتح أخيراً. أثارت «جريمة في رام الله» حفيظة السلطة الفلسطينية وحدها وبدا أن النائب العام، الممسك بزمام الأخلاق، الذي أقدم على منعها لم يقرأ منها سوى المقاطع الصغيرة التي يقع فيها أحد أشخاص الرواية في أسر العادة السرية مقبلاً على فعلة «جلد عميرة» كما يسميها قدامى العرب. وهذه فعلة مستشرية في أوساط المراهقين ويلحظها علم النفس والطب كظاهرة بيولوجية – نفسية قد تصبح «مستهجنة» في بضع حالات لا سيما لدى المتقدمين عمراً، المستوحدين أو المقموعين أو المحرومين. والشاب الفلسطيني الذي يمارس هذه العادة السرية يعيش حالاً من القهر والانفصام السياسي والنفسي والعاطفي، ومن المستهجن ألا يكون صاحب نزوات سرية. أما غالبية المقالات التي كتبت عن الرواية الممنوعة فقاربتها فلسطينياً وركزت على قضيتها السياسية والعلاقة التي تربط بين القهر السياسي والقمع الجنسي والانهيار النفسي. باتت الرقابة اليوم تخدم الكتب الممنوعة. هذا واقع لم يعد ممكناً إنكاره. وأجهزة الرقابة نفسها تعلم خير علم أنها مهما «استفحلت» تظل عاجزة عن منع الكتب. تكفي أولاً الإنترنت التي حوّلت النشر حيزاً حراً ومفتوحاً أو «مشاعاً» لا حدود له، ويمكن من خلالها ممارسة أقصى أحوال الحرية في النشر بعيداً من أي منع أو مصادرة. ويكفي ثانياً النشر المقرصن والبيع «تحت الطاولة» كما يقال والتهريب، وكل هذه الأفعال رائجة عربياً رغماً عن الرقابة. إلا أن غالبية أجهزة الرقابة في العالم العربي بدأت تعي استحالة المنع والمصادرة على رغم أمية بعض الرقباء والموظفين الذين يمارسون هذه المهنة. وكان لهذا الوعي أثر على نشاط هذه الأجهزة، وباتت إذا أرادت منع كتاب تتروّى وتتمهل، وقد لا تقدم على المنع إلا تحت ضغط يأتي من هنا أو هناك، من جهة سياسية أو جهة دينية. وأضحت أخبار منع الكتب قليلة في الفترة الأخيرة، وبعضها يأتي من قلب معارض الكتب ومنها معرض الكويت للكتاب الذي يكون فيه الرقيب دوماً غريب الأطوار ومزاجياً كأن يمنع كتباً كان قد سمح بها في دورة سابقة. وفي بضعة معارض لا تمنع الأجهزة أي كتاب أياً يكن لكنها تمنعه لاحقاً فلا يوزع على المكتبات، وفي حسبانها أنها أتاحت الفرصة للقراء كي يقتنوا الكتاب الذي يرغبون في اقتنائه. وهذه طريقة مقنعة جداً ولو أنها تظل تسيء الى الكتب والى القراء. لم يبق من جدوى للرقابة على الكتب في زمن الانترنت. تستطيع الرقابة أن توقف صاحب الكتاب الممنوع لكنها لا تستطيع منع الكتاب بعد نشره الكترونياً. تستطيع الرقابة أيضاً مراقبة الانترنت وسائر وسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والتويتر، ويمكنها أن توقف مَن تشاء من كتّاب هذه الوسائط، لكنها لا تقدر على منع ما يكتبون، فالنشر الالكتروني يسبقها في بث ما كتبه هؤلاء الكترونياً. يمكنها أن تحجب مواقع وصفحات لكنها تعلم أن رواد الانترنت يملكون حيلاً تواجه حيلها. إنها قادرة على مراقبة هؤلاء الكتّاب فتطّلع على ما ينشرون وترفع التقارير وتدرج الأسماء في قوائمها. يمكنها أن تؤدي مهمة «الأخ الكبير» أو «البيغ براذر» في رواية جورج اورويل الشهيرة «1984» معتمدة عينها السحرية فتلتقط كل شاردة وواردة. لكنها تعجز عن مصادرة حرية الانترنت مهما تحايلت على أجهزتها. أجهزة الرقابة في العالم العربي أصبحت مجبرة على تطوير نفسها وتوسيع أفق سياستها وتحديث المعايير التي تحكم عبرها على الكتب وسواها من الأعمال الإبداعية. إنها قادرة على إصدار قراراتها وعلى مصادرة الكتب المطبوعة، لكنها تظل عاجزة عن وضع يدها على النشر الالكتروني. وهنا التحدي الذي عليها أن تواجهه بروح عصرية وذكاء.