متى يغني الساهر في بغداد؟ العربصباح ناهي [نُشرفي2017/02/16، العدد: 10545، ص(24)] كاظم ليس مطربا مجتهدا فحسب بل هو فنان وطني، وأظنه مازال يصر على أن تكون حفلته المقبلة في بغداد وهي تنعم بسلام طال انتظاره. إلى أي مدى حقق كاظم الساهر نجاحا في تقمص الثيمة العربية؟ أظن أن الساهر من أكثر المطربين العراقيين تواصلا مع الجمهور العربي الذي ينقسم في تلقيه لأغانيه بين محب وعازف شأنه شأن المغنيين الآخرين، لكن جيل الشباب هو الأكثر تقبلا للساهر في تلويناته اللحنية كذلك جمهور واسع من النساء اللواتي يجدن فيه أنموذجا للعاطفي الحالم الذي يحاكي أحاسيسهن. والحقيقة لم يسبق شهرته خارج العراق غير ناظم الغزالي تلاه سعدون جابر، لا سيما في الخليج العربي، فقد حصد لقب سفير الغناء العراقي من أعلى مؤسسة فنية في العراق نقابة الفنانين. الحق يقال إن الساهر اعتمد على مقامات بسيطة وزاوج بين الآلات التي استخدمتها في ألحانه، وراح يلون في الأداء وفي اكتشاف أبعاد جديدة من الفولكلور العراقي. ظل الساهر، فنانا مجربا جريئا، في معرفة ما يسر القلوب وينعش النفوس، في اكتشاف الأغنيات التي تتجاوب مع البيئات العربية المتنوعة. أفادته تجربته في مصر والمغرب وتونس ولبنان، وعرف “سر الفرح” لدى العرب أينما كانوا، بل تمادى في عراقيته ليدخل الحكاية العراقية إلى البيوت العربية مليئة بالعاطفة المشحونة شجنا وثراء بأعمال وطنية تحاكي همّ الشارع العربي المأزوم الذي تحركه الكلمات والنغمات والأصوات المنادية بالثورة على الجوع والظلم والألم والقهر. أتذكر وقد قدّر لي أكون آخر مودعيه في بغداد في ربيع العام 1998 بعد أن اعتلى مسرح نادي الفروسية الخاص المكشوف والمطل على دجلة في قلب بغداد بحضور لافت لمسؤولين عراقيين وجمهور بغدادي وعربي وفنانين عرب جاؤوا ليسمعوا نجم العراق وسفير الأغنية. غنى وتألق وأنشد، مستمتعا بجمهور عريض ينتظره يربو عن خمسة آلاف مشاهد لحفلته تلك. وعلى عادة العراقيين يحتفي رجال السلطة بإطلاق العيارات النارية ليحيوا نجمهم، تحول المسرح إلى اشتباك من القذائف من مختلف الأعيرة النارية، وظل كاظم يغني لساعات حتى الصباح وكأنه في قرارة نفسه ومن دون أن يعرف أنها آخر حفلة له في بغداد، كأنه يودع مدينته وأهله وأصدقاءه إلى غير رجعة. تنفست الصعداء حين انتهى الحفل وغادر المسرح بصعوبة، في الصباح الباكر ولفرط خوفي عليه من حجم ونوع الاحتفاء به نصحته بالمغادرة حالا. وكان الأردن المنفذ الوحيد برا، لكنه كان يلهج “أريد أن أودع أمي”، لم أرها بعد! وكان شديد التعلق بها. قلنا له ستأتيك إلى عمان غدا، فقط اخرج كي تخفف من الاحتقان دون أن أسهب في شرح تفاصيل ذلك الإلحاح، ذهب مع أحد أعضاء فرقته بسيارة عبر طريبيل حالا. من يومها لم يصل بغداد إلا مرة كسفير للنوايا الحسنة وفي المطار أقام احتفالا صغيرا، ولم يقم بأي حفلة من يومها في أي جزء من العراق. برغم العروض والمغريات المادية التي وجهت إليه، كاظم ليس مطربا مجتهدا فحسب بل هو فنان وطني، وأظنه مازال يصر على أن تكون حفلته المقبلة في بغداد وهي تنعم بسلام طال انتظاره. صباح ناهي