كانت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز تسير وفق تراتبية معروفة لتولي الحكم عند أبناء الملك عبدالعزيز تبعاً للأكبر سناً ابتداء من الملك سعود، ثم الملك فيصل، ثم الملك خالد، وبعده الملك فهد ثم أخيراً الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو الذي لمس - يحفظه الله - المتغيرات وحكم الزمن الذي يأخذ نصيبه من البشر فعمد قبل سنوات إلى إنشاء هيئة البيعة التي جاءت كضمانة لانسيابية انتقال السلطة وفق الجـدارة مما أضعـف تراتبية العمر. لكن القرار الملكي الأخير بمبايعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد في حال خلو ولاية العهد، ويبايع ملكاً للبلاد في حال خلو منصبي الملك وولي العهد في وقت واحد إنما يأتي امتدادا للرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين، الذي يستشرف من خلالها المستقبل المنظور بما يعنيه ذلك من ضرورة تثبيت دعائم الحكم، وبالتالي الاستقرار الذي ننشده لهذه البلاد المباركة، وذلك من خلال اختيار أصغر أبناء الملك عبدالعزيز ليكون ولياً للعهد ثم ملكاً للبلاد فيما بعد، وهو تأكيد على أن الأمير مقرن سيكون آخر أبناء الملك عبدالعزيز الذين سيتولون الحكم، وهذا يعني أننا سننتقل مباشرة بعد ذلك إلى الجيل الثاني، وهو جيل أحفاد المؤسس بما يعني أيضاً أننا سنتجه تلقائياً إلى الدولة "السعودية الجديدة" أو الرابعة دون أي انفصال زمني عن الدولة الثالثة، وهذا تأكيد على الاستمرار ومواصلة البناء لهذه الدولة الشامخة، وتثبيت لدعائم هذه الخيمة السعودية التي تظلل تحت أفيائها كل القاطنين فيها. والواقع أن هذا الاختيار الملكي قد جاء ليزرع الطمأنينة في نفوس المواطنين بل وحتى الدول المجاورة والشقيقة التي كانت تخشى عواصف التحولات المفاجئة؛ لكنها أدركت أن هذا الوطن المبارك محروس بعناية رب البيت، ثم بعناية وحرص حكومته الرشيدة على ضمانة الاستقرار والعلاقة الوثيقة بين الملك وشعبه الوفي، على نحو مكن هذه البلاد من الصمود في وجه كل الأعاصير والمكائد التي استهدفت استقرار هذه البلاد، ولم تتوقف منذ لزوجة التأسيس وحتى تماسكت طينة هذه الدولة ولله الحمد في وجه كل أعداء الداخل والخارج في السابق والحالي، وستظل بمشيئة الله قادرة على صد كل استهداف لاحق. كنت في السابق أمج كلمة تتردد على لسان الرجال الكبار وهي أننا محسودون في هذا البلد، بسبب موالاة تكرار هذه العبارة، وقد أتذمر وآخرون غيري فنقول: "محسودين على أيش"؟ لكنني بعد سن الرشد ثم بعد عمليات إرهاب القاعدة التي تفجرت في الداخل، وبعد أحداث الربيع العربي وما يحدث من ارتجاجات أمنية ملموسة في كثير من دول الأشقاء العرب أدركت أن خيار النعم التي يحوزها الإنسان هي نعمة الأمن التي يستشعرها الفرد في نفسه وأهله وطريق سيره إلى المسجد والعمل والمشفى والنزهة وغير ذلك. لا شك أخيراً أن اختيار الأمير مقرن بن عبدالعزيز قد كان في محله لما يحمله الأمير مقرن من سيرة عملية متجاوزة وحضور متفرد ونوعي. ويحق لنا بعد هذه القرارات المفصلية الهامة وقبلها إنشاء هيئة البيعة أن نقول إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو مؤسس "السعودية الجديدة" التي ستنتقل بعد الأمير مقرن بن عبدالعزيز إلى مرحلة الجيل الثاني من الأحفاد.