في أوج معركته مع خصومه المحليين شهر رئيس الوزراء التركي، رجب طيب إردوغان، السيف في وجه وسائل التواصل الاجتماعي متعهدا بسحق «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب» واجتثاثها، وبالفعل فقد أمر بحجب موقع «تويتر» الذي يستخدمه عشرة ملايين تركي، بدعوى أنه يهدد «المصالح القومية» لبلاده. إردوغان قال إن تركيا «ليست جمهورية موز»، ولكنه تصرف على هذا الأساس فعلا. فقد بدا، وهو الذي طالما ردد أن بلاده قوية وديمقراطية وتستحق بطاقة العضوية للاتحاد الأوروبي، مذعورا وخائفا من الرأي الذي يتداوله الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه ليست معركة إردوغان وحده، إنها معركة خاسرة يخوضها الخائفون من الحقيقة، جيران تركيا في إيران لديهم مخاوف مماثلة وقد استهدفوا وسائل التواصل الاجتماعي أيام الثورة الخضراء، وما زالوا يراقبونها. ونقول إنها معركة «خاسرة»، لأن أحدا لا يمكنه اليوم أن يحجب الحقيقة، بل يمنحها حافزا أقوى للانتشار حين يحاول صدها. هذا ما لاحظته الخارجية الأميركية التي رأت أن الجمهور التركي صار أكثر حماسا لاستخدام شبكة «تويتر» بعد إجراءات الحكومة بحجبها. فتعليقا على قرار إردوغان، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، ماري هارف، إن «مزيدا من التغريدات سجلت في تركيا عما كان عليه الأمر قبل أن تحجب الحكومة موقع (تويتر)». وأضافت: «إنه في رأيي رسالة مهمة إلى الناس الذين يسعون إلى قمع حرية التعبير.. هذا الأمر ليس يسيرا، وهو ليس الأمر الجيد الذي يمكن عمله». لقد كفلت الشرائع السماوية والقوانين الدولية الحق في التعبير وحرية تدفق المعلومات، ولا يمكن لدولة عضو في الأمم المتحدة (كتركيا) أن تسلب شعبها هذا الحق الأصيل. نتذكر أن الهيئة العامة للأمم المتحدة قررت في أول اجتماع لها في 14-12-1946 أن «حرية المعلومات هي حق أساسي للإنسان، وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة». وحين صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 نصت المادة 19 على أن «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة من دون التقيد بالحدود الجغرافية». وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1966، نصت المادة 19 أيضا منه على أن «لكل إنسان الحق في حرية التعبير مما يوليه الحرية في طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة يختارها». نعم، من حق الدول، ومن حق الشعوب أيضا، أن تسن القوانين التي تنظم استخدام الإنترنت، وتفرض القوانين التي تكافح جرائم المعلوماتية، بما يكفل حماية الحقوق المادية والمعنوية للأفراد والجماعات، ولكن من دون المساس بحق مستخدمي الفضاء الإلكتروني في التعبير الحر عن الرأي. الخلاصة، أنه لا يمكن الولوج إلى العالم الحر، حين نفرض القيود على الحريات العامة، وأهمها حرية التعبير. ولا يمكن الخروج من نفق الأفكار الظلامية إلا بفتح الأبواب ودعوة الناس لإخراج أفكارهم للنور، لأنه حين نبالغ في فرض القيود سوف ندفع الناس قسرا للاختفاء تحت الأرض وممارسة ما يعتقدونه حقا، وهذا يمثل الخطر الكبير، وليس التعبير عن الرأي في فضاء مفتوح.