كشف مصدر قضائي فرنسي أن الشقة التي أقام فيها المشتبه به في الهجوم على عسكريين أمام متحف اللوفر في باريس حجزت في يونيو (حزيران) الماضي، أي قبل أشهر من تقدمه بطلب للحصول على تأشيرة دخول إلى فرنسا. في غضون ذلك، واصل عبد الله الحماحمي الصمت، بعد أن قال جملة واحدة بالإنجليزية كررها المتهم بارتكاب العملية الإرهابية ضد دورية عسكرية في متحف اللوفر في باريس صباح يوم الجمعة الماضي خلال سعي المحققين الفرنسيين المكلفين جلاء هذه العملية: «No Talk to Police». فبعد خمسة أيام، ما زالت علامات الاستفهام كثيرة حول هذه العملية التي لم تتبنها حتى عصر أمس أي جهة. ولم تتوصل الأجهزة الأمنية بعد إلى معرفة ما إذا كان الحماحمي مرتبطا بتنظيم إرهابي؛ أكان «داعش» أو أي تنظيم آخر، وهي تجهد في «استنطاق» هاتف الحماحمي الجوال واللوحة الإلكترونية التي كانت بحوزته والتي عثر عليها في الشقة التي كان قد استأجرها من شهر يونيو الماضي عبر بوابة متخصصة بالإيجار، فضلا عن ذلك، تريد باريس التأكد بشكل قاطع من هوية المواطن الشخص الموجود رهن الاحتجاز في مستشفى جورج بومبيدو الكائن في الدائرة الخامسة عشرة من باريس هو بالفعل المواطن المصري الحماحمي المولود في عام 1988 في محافظة الدقهلية الذي كان يشغل وظيفة في شركة إماراتية قائمة في إمارة الشارقة. ولهذا الغرض، فإن باريس تعول على تحاليل الحمض النووي وعلى التعاون مع الأجهزة المصرية والإماراتية والتركية والسعودية. حقيقة الأمر أن عملية الجمعة الماضي ما زالت أشبه باللغز، وذلك على ثلاثة مستويات: مستوى الجاني، ومستوى طريقة التنفيذ، ومستوى الدوافع. فالجاني، حامل شهادة بالحقوق والمتزوج الذي ينتظر مع امرأته مولودا، كان يشغل وظيفة محترمة (كادر تجاري في شركة تعمل في قطاع المحافظة على البيئة) في الإمارات التي لا تتساهل إطلاقا مع ظاهرة التطرف. ولم تتوافر للمحققين بعد مؤشرات مادية تدل على انتهاجه مسلكا متشددا باستثناء التغريدات الموجودة على حسابه، ومنها تلك التي أرسلها من باريس وقبل دقائق من ارتكابه فعلته. أما على مستوى تنفيذ العملية، فإن الأجهزة الأمنية تتساءل عن الدوافع التي جعلته يهاجم دورية عسكرية وليس استهداف المدنيين في باحة الكاروسيل الواقعة تحت الهرم الزجاجي الكبير المفضي إلى قاعات اللوفر. وكان الحماحمي قد هاجم الدورية في الساعة العاشرة من صباح الجمعة أي في وقت كان السياح والزوار قد بدأوا بالتوافد إلى المتحف الشهير الذي يستقبل أكبر عدد من زوار المتاحف في العالم. وقدرت الشرطة عدد الموجودين في داخل المتحف والمخازن التجارية والمطاعم والمقاهي بألف ومائتي شخص. وكانت الاستقصاءات التي قامت بها الأجهزة الأمنية بينت أن الحماحمي استخدم اللوحة الإلكتروينة التي كانت بحوزته من أجل القيام بأبحاث عن المتاحف في باريس ربما لتحديد هدف يهاجمه. ويتساءل المحققون عما إذا كان استهداف العسكريين حصل بناء على أمر أو طلب من «مشغل» للحماحمي، علما بأن الشرطة والجيش تعرضا منذ عام 2012 لنحو عشر عمليات إرهابية. وبالطبع، في غياب عناصر مادية، فإن المحققين يعولون على استجواب الحماحمي لجلاء هذه النقاط الغامضة. ومن التفاصيل التي لم يعثر المحققون على تفسير لها وجود قارورتين صغيرتين لرش الدهان كانتا موجودتين في حقيبة الظهر التي كان يحملها. وحتى عصر أمس، لم تكن قد توافرت للمحققين معلومات تبين أن الحماحمي الذي كان يزور باريس للمرة الأولى وحصل على تأشيرة دخول إليها من القنصلية الفرنسية في دبي قد استفاد من مساعدة مادية أو لوجيستية محليا. وجلاء هذه المسألة يبدو أمرا أساسيا بالنسبة للتحقيق، لأنه سيظهر ما إذا كان الحماحمي قد خطط ونفذ هذه العملية الإرهابية «البدائية» منفردا أم أنه استفاد من وجود شبكة أو شركاء، وبالتالي فإن من المهم بالنسبة للأجهزة الفرنسية فك ألغازها، ووضع اليد على الشركاء في حال وجودهم. ويبدو أن الأجهزة المذكورة تهتم بتفكيك معاني تغريدة أرسلها الحماحمي على حسابه وفيها تلميحات لدعوة كان أطلقها «الناطق» باسم «داعش» أبو محمد العدناني الذي قتل في ضربة جوية لاحقة، وفيها يدعو إلى استهداف العسكريين ورجال الأمن الفرنسيين والنظر في إمكانية اعتبارها مبايعة للتنظيم المذكور. لكن الثابت بالنسبة للمحققين أن ما قام به الحماحمي عمل إرهابي يدل عليه شراؤه مديتين (ساطورين) من مخزن متخصص ببيع الأسلحة البيضاء قريبا من ساحة الباستيل واستخدامهما لمهاجمة الدورية العسكرية وصراخه «الله أكبر» قبل مباشرة عمليته. وقد نجح المنفذ في إصابة أحد الجنود في رأسه قبل أن يطلق عليه جندي آخر خمس رصاصات استقرت إحداها في معدته. وقد أجريت له عملية جراحية لإنقاذ حياته على أمل أن ينجح المحققون في جلاء جميع تفاصيل هذه العملية.