جاءت إجراءات الرئيس ترمب خلال أسبوعه الأول في الرئاسة نارية ودراماتيكية، لكنها تفتقر على نحو خطير إلى الإجماع حتى داخل صفوف إدارته. وبدت المخاطر القائمة وراء هذه الإجراءات واضحة، أبرزها انهيار اجتماع مقرر له مع الرئيس المكسيكي، وإقرار ترمب لأساليب تعذيب يرفضها وزير دفاعه ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). وظهرت أولى خسائر الإجراءات النارية التي اتخذها ترمب، الخميس، بإعلان الرئيس المكسيكي إنريكه بينيا نييتو إلغاءه زيارة مقررة لواشنطن. وجاء ذلك في أعقاب تغريدة لترمب قال فيها إن على الرئيس المكسيكي البقاء بعيدًا إذا لم يكن مستعدًا لسداد تكلفة الجدار. الآن، أصبح أمام ترمب أزمة مكسيكية من المتعذر تجنبها. وجاءت قضية التعذيب لتمثل جرحًا آخر ألحقه ترمب بإدارته. من جانبها، لا ترغب «سي آي إيه» في العودة إلى أساليب الاحتجاز السري والإيهام بالغرق. كما أن هناك قانونًا يحظر التعذيب، لسبب بسيط مفاده أنه يسبب «صدمة لضمير» كثير من الأميركيين. علاوة على ذلك، فإن بعض وكالات الاستخبارات الأجنبية سترفض التشارك في معلومات مع الولايات المتحدة حال لجوئها إلى مثل هذه الأساليب. أما الانفصال العجيب بين تعليقات ترمب الحارقة وعملية الحكم بما تتطلبه من حذر وحيطة، فتجلى في الأزمة التي ثارت حول مسودة قرار تنفيذي يقضي بإحياء «المواقع السوداء» الخاصة بـ«سي آي إيه» للاحتجاز والاستجواب. في أعقاب ظهور القرار على صفحات «نيويورك تايمز»، الأربعاء، سارع المتحدث الرسمي باسم ترمب، سيان سبايسر، إلى التأكيد على أن «هذه ليست وثيقة تخص البيت الأبيض». ومع ذلك، شدد ترمب بعد ذلك بساعات قلائل خلال لقائه مع موير أن التعذيب «أسلوب ناجح... تمامًا»، وأنه «يتعين علينا محاربة النار بالنار». ومثلما الحال مع كثير من تغريدات ترمب، جاءت هذه التصريحات مثيرة للقلق والاضطراب بصورة أساسية بالنسبة لإدارته. الحقيقة أنه لو كان الأسبوع الأول من رئاسة ترمب كشف لنا عن شيء، فهو أنه عاقد العزم على نسف النظام التجاري والاقتصادي والمرتبط بالأمن الوطني، على نحو يفوق ما كان يخشاه منتقدوه. كما أن تكاليف هذا السلوك المندفع بدأت تتضح بدرجة أكبر، ورغم أن ترمب مستمر في تباهيه بأنه يبلي بلاءً حسنًا، يعمل مساعدوه على مدار الساعة لإطفاء الحرائق التي يشعلها. والآن، تزايدت الشكوك حول قدرة جيمس ماتيس في وزارة الدفاع وريكس تيليرسون في وزارة الخارجية على التخفيف من حدة ميل ترمب باتجاه مواقف حركة «أولت رايت». والمؤكد أن هذا من شأنه إثارة قلق القادة الأجانب الذين ربما رأوا في اختيار ماتيس وتلرسون مصدرًا للطمأنينة، وكانوا على استعداد لتصديق أن إجراءات ترمب الفعلية ربما تكون أقل سوءًا من تصريحاته فيما يخص قضايا ذات أهمية لحلفاء أميركا العالميين. الواضح أن طبيعة ترمب المتحذلقة تقوّض قدرته على تناول المشكلات التي تشغل الحيز الأكبر من اهتمامه. ولننظر إلى المكسيك على سبيل المثال، فهي لا ترغب في الدخول في حرب تجارية مع الولايات المتحدة، وعمل بينيا نييتو على تسوية قضية أمن الحدود وإعادة التفاوض بخصوص اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. إلا أن التغريدة المهينة التي أطلقها ترمب وضعت بينيا نييتو في مأزق سياسي. وجاءت النتيجة الأخيرة متعارضة مع مصالح البلدين. وبالمثل، نجد أن إقرار ترمب العلني للتعذيب يقوض جهوده العميقة لمكافحة الإرهاب. وبسبب نفور الرأي العام من أسلوب الإيهام بالغرق، ورفض «سي آي إيه» استئناف التحقيقات دون سلطة قانونية واضحة ومستدامة، أصبح من الأسهل على الولايات المتحدة اليوم قتل الإرهابيين باستخدام طائرات دون طيار، بدلا من إلقاء القبض على الإرهابيين واستجوابهم. وربما يسهم مثل هذا التنامي في «أعمال القتل المستهدف» في التخلص من الإرهابيين داخل ميدان القتال، لكنه لا يوفر معلومات استخباراتية. من جهته، قال جون مكلوكلين، القائم بأعمال مدير «سي آي إيه» سابقًا: «من الخطأ التراجع في هذا الاتجاه»، الرأي الذي يعكس إجماع الآراء داخل الوكالة. واستطرد بأن النقطة الأكبر تكمن في أن «القضية اصطبغت بصبغة سياسية كبيرة بدرجة تحول دون إجراء مناقشة عقلانية للأمر»، رغم أن هذا تحديدًا ما نحتاجه للتعرف على السبيل إلى جمع معلومات استخباراتية أفضل من خلال التحقيق.