شهدت العلاقات التركية الأميركية فتورًا وصل إلى حد الجمود أحيانا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وزاد وضع هذه العلاقات توترا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي بسبب عدم إبداء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما حماسا لتسليم الداعية التركي فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات التركية بالوقوف وراء هذه المحاولة إلى جانب التباعد الكبير في المواقف بشأن أكراد سوريا والدعم الأميركي لهم كحليف وثيق في الحرب على «داعش». وعلى الرغم من تعدد الزيارات واللقاءات بين المسؤولين الأتراك والأميركيين وآخرها لقاء الرئيسين رجب طيب إردوغان وباراك أوباما خلال أعمال قمة مجموعة العشرين في الصين يبدو أن الملفات التي شكلت أساسا للتوتر أحيانا وللفتور والتباعد أحيانا أخرى بين أنقرة وواشنطن بقيت عالقة، وزاد من حدتها غياب دعم التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة واشنطن لعملية درع الفرات التي تنفذها تركيا في شمال سوريا بهدف إبعاد تنظيم داعش والقوات الكردية عن حدودها. وبحسب خبراء، فإن ملف الأكراد يبقى دائما واحدا من ملفات التوتر والتأثير في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وينبني الموقف الأميركي في هذا الملف على بعد ديمقراطي وحقوقي على الرغم من تصنيف أميركا منظمة حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية كما هو الحال في تركيا، إلا أن هناك تفاصيل كثيرة داخل ملف المشكلة الكردية في تركيا تبقى بابا مفتوحا للخلافات. وعقب فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانتخابات بدا من التصريحات الصادرة عن أنقرة أن هناك تفاؤلا كبيرا بقدرة الإدارة الأميركية الجديدة على إزالة الخلافات العالقة مع أنقرة والتوصل إلى حلول للقضايا الخلافية. وعبر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن أمله بتغيّر السياسة الأميركية المتبعة تجاه سوريا والعراق، بعد أن تسلّم ترمب مهامه في البيت الأبيض، قائلا: «كان ترمب قد لمّح في وقت سابق إلى أنه سيقيم علاقات وثيقة مع تركيا». وقال يلدريم في مقابلة تلفزيونية إنه ينظر للمرحلة الجديدة في الإدارة الأميركية بإيجابية، لافتا إلى أن أنقرة تعقد آمالا على الإدارة الأميركية الجديدة في ثلاثة أمور: هي تسريع المرحلة القانونية المتعلقة بتسليم فتح الله غولن لتركيا، وإنهاء التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب الكردية ووقف دعمهما بالسلاح، فمن الضروري ألا تتم مخاطبة جهات خاطئة لدى الحديث عن مكافحة الإرهاب، وثالثا اتخاذ خطوات لمحاولة تغيير نظرة الشعب التركي تجاه أميركا التي أصبحت سلبية جدا، لا سيما بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو الماضي، ولذلك من الضروري اتخاذ خطوات جديدة من شأنها أن تعدّل هذه النظرة. ووصف يلدريم سياسة إدارة أوباما السابقة في دعم أكراد سوريا بالسلاح بدعوى محاربة «داعش» بأنها «مؤسفة». من جانبه، كرر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو انتقاداته لواشنطن لعدم تقديم الدعم الجوي لقوات بلاده في عملياتها العسكرية التي تقودها في سوريا ضد تنظيم داعش، قائلا: أميركا تستخدم قاعدة إنجرليك ولكن لا تقدم الدعم الجوي لتركيا في حربها ضد الإرهاب. وقال في حوار مع صحيفة «واشنطن بوست» على هامش مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الأميركي ترمب إن بلاده تأمل في أن تتخذ الإدارة الأميركية الجديدة خطوات إيجابية فيما يخص إعادة غولن إلى تركيا، ووقف الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري. وتابع: «أؤمن بأن ترمب سيتفهم حساسيات تركيا بشكل أفضل، علينا أن ننشئ جسور الثقة فيما بيننا من جديد، ولا سيما أن كراهية الأتراك لأميركا زادت في الفترات الأخيرة». وعما إذا كان التقارب التركي الروسي ناتج عن ابتعاد تركيا عن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، قال جاويش أوغلو: «إنّنا على تعاون مشترك مع روسيا ضد التنظيمات الإرهابية، وكون تركيا حليفا لأميركا، فهل هذا يلزمنا بقبول كل ما تقوله لنا أو ما تطلبه منّا؟ بالتأكيد لا». وأوضح الوزير في السياق ذاته، أنّ بلاده كلما همّت إلى تحسين علاقاتها مع الدول الأخرى، يُطرح تساؤل مفاده: هل تركيا تغيّر وجهتها؟ وأوضح أن العلاقات الخارجية تبنى بالشكل الذي تخدم فيه مصالح الدول، وعندما يكون المحور المشترك في تعاوننا مع روسيا هو مكافحة الإرهاب فهل من المعقول أن أقول لمثل هذا التعاون: لا؟ والتقى جاويش أوغلو خلال زيارته لواشنطن عددًا من قادة الحزب الجمهوري الأميركي في العاصمة واشنطن، وذلك خلال مأدبة أقامها ترمب على شرف القادة والوزراء الذين توافدوا على واشنطن للمشاركة في حفل توليه منصب الرئاسة خلفًا لأوباما. وخلال لقاءاته الثنائية مع عدد من المرشحين لتولي مناصب في إدارة ترمب، بحث جاويش أوغلو معهم مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وسبل التعاون بين أنقرة وواشنطن لحل تلك الأزمات. وقال جاويش أوغلو إن تركيا تثق بأن ترمب سيبث طاقة جديدة في مكافحة الإرهاب، وسيجد حلا لمشكلة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا. وأكد أنَّ عملية درع الفرات التي تنفذها تركيا في شمال سوريا ستتجه بعد مدينة الباب بريف حلب إلى مدينة الرقة معقل «داعش»، وستواجه القوات الكردية إن وقفت في طريقها، قائلا: «نحن على ثقة بأن ترمب سيأتي بطاقة جديدة في محاربة تنظيم داعش، وسيجد حلا لمشكلة دعم واشنطن للاتحاد الديمقراطي الكردي السوري». وكانت الأيام الأخيرة لإدارة أوباما شهدت انتقادات عنيفة من جانب المسؤولين الأتراك لسياساتها، وفي الرابع من يناير (كانون الثاني) الحالي قال نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش إنه يأمل بوجود علاقات جيدة بين الحكومة التركية وإدارة ترمب. واتهم نائب حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان التركي شامل طيار في تغريدة على حسابه في موقع «تويتر» المخابرات الأميركية بالوقوف وراء الهجوم المسلح على نادي رينا في إسطنبول في الساعات الأولى من عام 2017 الذي خلف 39 قتيلا و65 مصابا قائلا: «لا يهم من نفذ عملية رينا المهم ضلوع الاستخبارات الأميركية خلف العملية». أما وزير الدفاع التركي فكري إيشيك فقد انتقد أميركا لعدم دعمها لتركيا وهي التي تقود التحالف ضد «داعش» متخذة قاعدة إنجرليك مركزا لقيادة عملياتها، لكن أميركا لا تعبأ لما يهدد أمن تركيا. ويرى الكاتب التركي البارز مراد يتكين أنه رغم مطالبة الحكومة التركية مرارا وتكرارا بتسليم غولن وفقا لمعاهدة موقعة مع واشنطن إلا أن أوباما الذي قال: «لا نستطيع التدخل في شؤون القضاء» تعمد استخدام هذه السياسة مخالفا بذلك سياسة ترمب المبنية على «الإسلاموفوبيا»، بالإضافة إلى أن جماعة غولن دعمت حزب أوباما وكلينتون لسنين. وتابع: «باختصار، يأمل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والحكومة التركية من إدارة ترمب موضوعين هما إنهاء دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وإصدار قانون يفضي إلى بدء مجريات إعادة غولن».