أن يطالب أستاذ جامعة بإخفاء الحقائق وعدم نشرها، كأن يقول لك : «لا داعي لنشر الجرائم التي تحدث، حتى لا يتم تشويه المملكة وشعبها»، فأنت أمام أزمة أكاديمية، لأن الأكاديمي إن طالب بهذا يعني أنه خان الأمانة والبحث العلمي الذي تصر عليه الأكاديميات، إذ أنك لا تستطيع حل مشكلة، ما لم تسلط الضوء الفاحص والناقد عليها، ليتم إصلاح الخلل. أو يطالب عضو جمعية حقوق الإنسان بنفس الشيء، وأن علينا إخفاء ما يحدث من جرائم، فنحن أيضا أمام أزمة حقوقية، لأن عضو حقوق الإنسان يضرب بالمبادئ التي يدافع عنها، والتي تلح على الشفافية والمحاكمات العلنية، وأن حدوث الشيء بالخفاء يثير الريبة. أما إن كان عضو جمعية حقوق الإنسان هو نفسه الأكاديمي الذي طالب بإخفاء الجرائم حتى لا تشوه المملكة وشعبها، تتحول الأزمة لكارثة، إذ كيف وصل لمنصبين وهو يعمل ضدهما ؟ حجة الدكتور لتعميم فلسفة التعتيم عما يحدث، مسلم ألماني دهش حين جاء مكة المكرمة فوجد فيها سجونا وأخبارا تمس أخلاق المسلمين في مكة المكرمة. ومن خلال الفلسفة التعتيمية، يمكن لمن يريد أن يطالب بعدم نشر قضية قاض أو كاتب عدل أو مسؤول في وزارة أو طبيب أو مهندس أو مدير تعليم أو عضو بالهيئة إلخ، بحجة أنهم مسلمون، ونشر هذا الأمر يضر بالإسلام والمملكة وشعبها، وأنهم ليسوا ملائكيين كما يريد الدكتور أن يظهرنا للعالم، ولو كان بداخلنا مجرمون ولا أخلاقيون وسارقو أموال الدولة . ولن يبقى للصحف إلا تناول قضايا عاملات المنازل الإندونيسيات بصفتهن ساحرات، والإثيوبيات بصفتهن مجرمات حرب، تسلطن على مجتمع «ملائكي». ما يدهشني ليس مثل هذه الأفكار، فثمة فئة ربما قليلة وربما كثيرة من العامة تؤمن بمثل هذه الأفكار، وخصوصا بين الأسر إذ لا تريد الأسرة كشف حقيقتها أمام أسرة أخرى. قلت : ما يدهشني ليست هذه الأفكار، بل كيف وصل الدكتور لمنصبين، فيما أفكاره ضدهما ؟