"ثمة سرطان ينهش العالم يُدعى الإسلام الفاشي، ومصدره القرآن". في مناسبات عديدة، وعلى طول الكتابين اللذين خطّتهما، لم تنفك اللبنانية الأصل حنان قهوجي التي عُرفت لاحقاً بنور سمعان ثم بريجيت غابرييل من التلويح بخطر الإسلام ونشر كراهيته بين المواطنين في الولايات المتحدة وعبر العالم. من قهوجي إلى سمعان ثم غابرييل، كان لهذه الشخصية مسار طويل في "تجارة الكراهيّة"، بدءاً من لبنان، مروراً بإسرائيل، واستقراراً في الولايات المتحدة. رواية "الطفولة المعذّبة" في لبنان اليوم، مع صعود نجم ترامب واستلامه الحكم، يعود اسم بريجيت غابرييل إلى الواجهة كطرف مؤثر (من أصول عربية) في اللوبي الذي يدفع باتجاه محاربة المسلمين. تتناقل المواقع دورها في تعزيز صورة ترامب، وتنشر لقاءها معه الذي أعقبه اختيار وليد فارس (الذي عمل معها) كمستشار لترامب، فضلاً عن وقوفها وراء صناعة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة مع مجموعة من الأثرياء الآخرين. من فتاة مغمورة في قرية مرجعيون اللبنانية على الحدود مع فلسطين المحتلة إلى فتاة مؤثرة في صناعة الإسلاموفوبيا مع مجموعة من الأثرياء في أمريكا. كيف بدأت الحكاية؟ طوال سنوات، كانت "معاناة الطفولة" في الحرب اللبنانية سلاح قهوجي/ سمعان كي تجعل صوتها أشد تأثيراً، لا سيما في بلد تسبغ ثقافته على "الناجين" من مجازر الكراهية (وتحديداً الإسلامية) نوعاً من القدسية والاحترام لكل ما يصدر عنهم. "ببشرة سمراء وعينين ملونتين.. تسحرك غابرييل قبل أن ترهبك". هكذا وصفها موقع "بازفيد" في مقال طويل يختصر سيرتها الذاتية وتجربتها، لا سيما في منظمة "Act For America" التي أسستها في العام 2007. بحسب المقال، تتاجر غابرييل بالرعب، بدءاً من القصة التي ترويها عن عائلتها المارونية المسيحية، وكيف عانت الأمرين من المسلمين في لبنان الذين أجبروها على العيش في ملجأ مساحته ثمانية أمتار بعشرة أمتار لسنوات طويلة. تحكي قصص "البربرية" في لبنان، وكيف كانوا يربطون الطفل بين أمه وأبيه، ثم يبعدونهما في اتجاهين مختلفين، ليُقسم الطفل إلى نصفين. تحكي عن الفلسطينيين "المجرمين" الذين استقبلهم لبنان، وتقول بأنها عرفت الأمان للمرة الأولى عندما نقلها الإسرائيليّون للاستشفاء لديهم بعدما أصيبت. هناك عرفت أنهم أفضل من المسلم الذي يريد قتلها لأنها مسيحية. وكررت في مناسبات لاحقة شاكرة الإسرائيلي بالقول "ما لم تكن ممتناً لمن أنقذ حياتك، ستكون فاقد الروح". كثر من مؤرخي الحرب الأهلية اللبنانية ومن جيرانها شككوا بروايتها عن الحرب. نشر الكاتب فرانكلين لامب عدداً من المقابلات مع جيرانها الذين قالوا إن قهوجي عاشت حياة طبيعية كالباقين. لكن "تجارة الكراهيّة" لا تحتاج إلى أدلة علمية كي تستمر وتحصن أرضيتها. وهكذا فعلت غابرييل. الحب الإسرائيلي والاستقرار الأمريكي في العام 1984، بعد سنتين على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، انتقلت قهوجي إلى القدس وهناك تابعت عملها في تلفزيون الشرق الأوسط (التابع للمبشّر بات روبرتسون) كمذيعة للنشرة المسائيّة، وظهرت باسم نور سمعان. تروي عن تجربة عيشها في القدس لست سنوات بكثير من الحب للثقافة الإسرائيلية التي تحترم الطبيعة والقراءة والثقافة، على عكس الجانب الآخر الأسود من الحدود. وفي العام 1989، انتقلت إلى الولايات المتحدة بعد زواجها من زميلها الأمريكي تشارل تيدور، ليؤسسا شركة للإنتاج هناك. أقوال جاهزة شارك غردتحوّلت من حنان قهوجي إلى بريجيت غابرييل.. قصة امرأة لبنانية تدعم ترامب وتحارب مسلمي أمريكا شارك غرد"تجارة الكراهية" تجارة مربحة جداً، وبريجيت غابرييل (حنان قهوجي سابقاً) أتقنتها طبع العام 2001، بعد استهداف برجي التجارة، في رأس غابرييل التي تستعيد اللحظة مراراً بقولها "لقد وصلوا إلى هنا". تقول في إحدى مقابلاتها "لقد خسرت لبنان، وطني بالولادة، بسبب الإسلام الراديكالي، ولا أريد أن أخسر أمريكا، وطني بالتبنّي، للسبب نفسه". وفي العام 2007، أسست منظمة "آكت فور أميركا" وتمكنت من حشد أكثر من 300 ألف أمريكي على الرغم من إدراج منظمتها ضمن "منظمات نشر الكراهية". ثم أصبحت ضيفة دائمة على قنوات "فوكس نيوز" و"سي أن أن" وغيرها في أعقاب أي اعتداء إرهابي، وكان لها اجتماعات مع أعضاء من الكونغرس والـ"أف بي آي"، لتتمكن من بسط نفوذ واسع في حربها ضد الإسلام. وكانت غابرييل قد حذرت من أن "الولايات المتحدة مخترقة على كل المستويات بمتطرفين مسلمين يريدون إلحاق الأذى بها، وهؤلاء المتطرفون اخترقوا المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الداخلية والبنتاغون". هكذا شكّل وصول ترامب زخماً إضافياً لعملها، كونه يحاكي في سياساته وخطاباته هذا التوجه المتطرّف. "تجارة الكراهيّة" المربحة تفسّر المؤرخة إيفون حداد ما تقوم به غابرييل وغيرها ممن يندرجون في فئة تسمى "المخبرين المحليين" من الشرق الأوسط. هؤلاء، برأي حداد، يقومون بذلك طمعاً بملايين الدولارات التي ستُغدق عليهم حين يعلنون عن أنفسهم ولسان حالهم يقول: أعرف المسلمين وأنا واحد منهم، أعرف ما يخططونه ضدكم أعطوني المال وسأخبركم بالمزيد". يؤكد ذلك ما نشره موقع "بازفيد" الذي لجأ إلى الإشهار الضريبي، حيث يظهر أن غابرييل تضاعف راتبها خلال السنوات القليلة الماضية. بين عامي 2010 و2011 ازداد الراتب من حوالي 87 ألف دولار إلى 156 ألف دولار. بين عامي 2011 و2012، دفعت "آكت" لغابرييل مبالغ إضافية باعتبارها مالكة شركة استشارية، ولغابرييل وزوجها بدل خدمات شركة الإنتاج. وفي العام 2011 وصلت هذه الدفعات إلى 300 ألف دولار. في نهاية العام 2012، تراجعت المدفوعات لصالح غابرييل، لكنها بقيت مرتفعة بنسبة 50% عن الفترة التي سبقت ارتفاعها. في المحصلة، تلقت غابرييل في العام نفسه 223 ألف دولار عن الأعمال غير الربحية، إضافة إلى 237 ألف عن أعمال الشركات التي تديرها. وقد فسرت غابرييل زيادة الأموال التي تلقتها بسبب الكشف عن اسمها الحقيقي، والمخاطر التي شكلها ذلك على حياتها. وهذه الأموال كانت طارئة "من أجل إعادة تنظيم حياتها بشكل آمن". ولمزيد من التفاصيل عن "تجارة الكراهية"، نشر مجلس العلاقات الإسلامية - الأمريكية تقريراً يفيد أنه تم منذ العام 2001 رصد أكثر من 57 مليون دولار لخلق جماعات صناعة الخوف، ومكافحة المسلمين ومعاداة الإسلام من قبل ثمانية من المتبرعين الأثرياء جداً. وبحسب التقرير، حققت 37 منظمة من الجماعات المناهضة للإسلام في أمريكا عائدات تصل إلى 119 مليون دولار في الفترة ما بين عامي 2008 إلى 2011. وكانت واحدة من النتائج التي وصل إليها المجلس أن هذه الجماعات "غالباً ما تكون مرتبطة بإحكام" وأن "اللاعبين الرئيسيين في الشبكة قد استفادوا من الرواتب الكبيرة لقاء تشجيعهم الرأي العام الأميركي على الخوف من الإسلام". وفي انتخابات العام 2008، على سبيل المثال، تم توزيع 28 مليون نسخة من فيلم معاد للمسلمين في جميع المناطق التي كانت تشهد تنافساً انتخابياً شديداً، وجرى استغلال اسم "حسين" (والد أوباما) للترويج ضدّ المرشح الديموقراطي باراك أوباما. وفي حين أن الفيلم، الذي تمّ تمويله بـ17 مليون دولار، لم يمنع أوباما من الفوز بالرئاسة، إلا أنه كان ناجحًا في حقن الهستيريا المعادية للمسلمين في دماء السياسيين الأميركيين. وفقاً لاستطلاع أجرته مجلة "تايم" في العام 2010، فإن أكثر من 25% من الأميركيين كانوا يعتقدون أن رئيسهم مسلم. أكمل القراءة "آكت فور أميركا" على موقعها الإلكتروني، تُعرّف المنظمة عن دورها الأساسي في حفظ ثقافة أمريكا، عبر 400 ألف عضو وأكثر من ألف مكتب موزعين على الولايات المتحدة. كما تخصص شقاً للتعريف عن مؤسِستها بريجيت غابرييل كواحدة من أبرز المتخصصين في العمل على مكافحة التطرّف الإسلامي. ولا تنسى "آكت فور أميركا" كذلك استعراض "إنجازاتها" وأبرزها العمل على منع اللاجئين السوريين من القدوم إلى أمريكا، كما فرض تعديل دستوري في أوكلاهوما يحظر العمل بقوانين الشريعة. تصف بريجيت منظمتها، بأنها "جماعة تعمل من أجل الأمن القومي، ولا تحزّب سياسياً أو دينياً فيها". لكن بحسب "نيويورك تايمز" تستند المنظمة إلى ثلاث دعائم حزبية ودينية في الساحة السياسية الأمريكية وهي: البروتستاتينية المحافظة، وغلاة المدافعين عن إسرائيل من اليهود والمسيحيين، وحركة "حفلة الشاي" اليمينية المتطرفة، التي يشكل الجمهوريون 80% من أعضائها. ساهمت غابرييل في تحذير الأمريكيين بضرورة التبليغ عن أي مسجد قد يجري افتتاحه، وأطلقت العديد من الحملات ومنها "إطّلع على القرآن" التي قامت على توزيع مقتطفات من القرآن أمام دور العبادة غير الإسلامية والمكتبات العامة ومكاتب البريد، تستشهد بها على أنه كتاب "يدعو إلى العنف والعبودية وحرمان النساء من حقوقهن الإنسانية". تؤكّد بريجيت أن دافعها إلى كل هذا النشاط، ليس كراهية الإسلام أو الخوف منه، وإنما حبّها لوطنها. لكن كتبها ومحاضراتها تعطي الانطباع المعاكس. تقول في كتابها المعنْوَن "يكرهون - ناجية من الإرهاب الإسلامي تحذّر أمريكا" إن "التطرف في العالم الإسلامي هو التيار الرئيس (…) إنه سرطان يقضي على أوصال العالم... هذا هو سرطان الفاشية الإسلامية... هذه هي الأيديولوجية التي تنبع من مصدر واحد هو القرآن". ولها الكثير من التصريحات التي لاقت اهتماماً واسعاً، كما في هذا الفيديو الذي حقق ملايين المشاهدات. مع ترامب ووليد فارس ثمة كثر مثل غابرييل من أصول عربية اتخذوا موقف العداء من الإسلام ووجدوا لهم بيئة حاضنة في الولايات المتحدة، لكن غابرييل تميّزت باتساع رقعة منظمتها وتأثيرها، وبقدرتها على جذب العديد من الأسماء التي برزت في الإعلام الأمريكي. في أواخر فبراير العام الماضي، نشرت منظمة "آكت فور أميركا" صورة لمديرتها مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب. بعد ذلك بثلاثة أسابيع، تمّ تعيين وليد فارس (الذي كان يعمل في مجلس إدارة "آكت فور أميركا") مستشاراً لترامب لشؤون الأمن القومي. وبعد ذلك بأشهر، عيّن ترامب الجنرال المتقاعد مايكل فلين (والذي كان بدوره عضواً في مجلس إدارة "آكت فور أميركا") مستشاراً لشؤونه العسكرية. للمناسبة، كان فلين نفسه قد وصف الإسلام بـ"السرطان" في أحد اجتماعاته. اقرأ أيضاً أن تكون عدائياً أكثر من ترامب: قصة وليد فارس بين لبنان وإسرائيل وأمريكا 5 اختلافات بين ترامب المرشح وترامب الرئيس تقرير استخباراتي أمريكي: روسيا تبتزّ ترامب بفضائح جنسية؟ هيفاء زعيتر صحافية لبنانية. عملت في صحيفة السفير، ثم مراسلة لقناة الجديد اللبنانية، وقناة فرانس24 الناطقة باللغة العربية. كلمات مفتاحية الإسلاموفوبيا العالم لبنان التعليقات