يعتبر الاقتصاد العالمي في وضع أفضل اليوم مما كان عليه قبل سنوات، فأسواق الأسهم تزدهر وأسعار النفط في طريقها للصعود من جديد، في حين تراجعت أخطار تباطؤ سريع محتمل في الصين كان مصدر قلق للعالم قبل سنة. لكن على رغم كل ذلك، لا يبدو أن مناخاً احتفالياً يخيم على دافوس في سويسرا هذا العام حيث تُعقد بدءاً من الثلثاء اجتماعات «المنتدى الاقتصادي العالمي» الذي يضم زعماء سياسيين ورجال أعمال ومصرفيين. ويسود قلق من مناخ سياسي أكثر خطورة وشعور عميق بعدم التيقن يحيط برئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة المقرر أن تبدأ في 20 الجاري، أي يوم ختام اجتماعات المنتدى السنوي. وكان هناك إجماع في المنتدى العام الماضي على أن ترامب ليس أمامه فرصة للوصول للبيت الأبيض، لكن فوزه بعد أقل من نصف سنة على قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، جاء ليوجه صفعة لشتى المبادئ التي تعتز بها صفوة دافوس بشدة منذ فترة طويلة من العولمة إلى التجارة الحرة والشركات المتعددة الجنسيات. وترامب هو المثال الحي على موجة جديدة من الشعبوية التي تجتاح دول العالم المتقدم وتهدد النظام الديموقراطي الليبيرالي القائم في الغرب منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومع اقتراب الانتخابات في هولندا وفرنسا وألمانيا وربما إيطاليا خلال العام الحالي، بدا قلق الحضور في «منتدى دافوس» واضحاً. وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات جان ماري جوينو: «بصرف النظر عن رؤيتك لترامب ومواقفه، فإن انتخابه أدى إلى شعور عميق بعدم التيقن وسيلقي ذلك ظلاله على دافوس». وكان الخبير في مؤسسة «كارنيغي للسلام العالمي» موازيس ناييم أكثر صراحة، إذ قال: «هناك إجماع على أن شيئاً ضخماً يجري (...) شيئاً عالمياً وغير مسبوق على مستويات كثيرة، لكننا لا نعرف ما هي أسبابه أو كيف نتعامل معه». وتستحضر عناوين حلقات المناقشة في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي ينعقد بين 17 و20 الجاري المشهد العالمي الجديد الباعث على القلق. ومن بين هذه العناوين: «كيف يمكن حل أزمة الطبقة المتوسطة المضغوطة والغاضبة؟»، و «سياسات الخوف أو التمرد للمنسيين»، و «التسامح هل بلغ مداه؟»، و «مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي». وتعتبر قائمة الزعماء الذين يحضرون المنتدى هذا العام معبرة، فنجم المؤتمر هو الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يعتبر أول رئيس صيني على الإطلاق يحضر «منتدى دافوس». ويعتبر حضوره إشارة إلى ثقل الصين المتزايد في العالم، في وقت يعد فيه ترامب بمزيد من نهج «أميركا أولاً» الانعزالي وتنشغل أوروبا بمشاكلها الخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتحضر المنتدى كذلك رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي التي تواجه مهمة شائكة تتمثل في إخراج بلدها من الاتحاد الأوروبي، لكن المستشارة الألمانية أنغيلا مركل التي دأبت على حضور المنتدى السنوي والتي تلائم سمعتُها كزعيمة قوية ثابتة على الموقف الشعار الرئيس للمنتدى وهو «الزعامة المسؤولة المتجاوبة»، فلن تحضر هذا العام. وربما يكون السؤال المحوري في «منتدى دافوس»، الذي يشمل حلقات نقاشية ومآدب غداء وحفلات استقبال تتناول مواضيع متنوعة، من الإرهاب إلى الذكاء الاصطناعي والصحة، هو ما إذا كان الزعماء يمكنهم أن يتفقوا على الأسباب الأساس للغضب العام وأن يبدأوا صياغة استجابة له. وأكد تقرير للمنتدى عن الأخطار العالمية صدر قبل بدء انعقاد اجتماعاته، «تآكل ثقة الرأي العام في المؤسسات»، مشيراً إلى أن إعادة بناء الثقة في العملية السياسية والزعماء «ستكون مهمة صعبة». ويعتقد الكاتب جاي ستاندينغ، الذي ألف العديد من الكتب عن طبقة جديدة تفتقر للأمان الوظيفي والإيرادات المضمونة، أن مزيداً من الناس يميلون إلى اعتقاد أن الرأسمالية القائمة على اقتصاد السوق تحتاج إلى تعديل شامل، حتى أولئك الذين استفادوا منها. وقال ستاندينغ، الذي دعي إلى دافوس للمرة الأولى: «نماذج المؤسسات التي تمثل التيار الرئيس لا تريد ترامب والسلطويين اليمينيين، بل تريد اقتصاداً عالمياً يحقق نمواً مستداماً يمكنهم من خلاله القيام بأعمالهم». لكن رئيس مجموعة «أوراسيا الاستشارية» إيان بريمر، ليس واثقاً من ذلك، إذ يروي عن زيارة قام بها أخيراً إلى مقر بنك «غولدمان ساكس» في نيويورك، حيث رأى مصرفيين «يحتفلون في المصعد» بارتفاع أسعار الأسهم واحتمالات خفض الضرائب وتحرير الإجراءات التنظيمية في عهد ترامب. وسيحضر اجتماعات دافوس، كذلك رئيس «غولدمان ساكس» لويد بلانكفين، ورئيس «مورغان ستانلي» جيمي ديمون. وقال بريمر: «إذا أردت إيجاد أشخاص مستعدين للاحتشاد معاً للقول إن الرأسمالية كُسرت من أساسها، فإن دافوس ليس المكان المناسب لذلك». ويعتقد رئيس «البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير» سوما شاكرابارتي، أن التوصّل إلى «نسخة حديثة من العولمة» ممكن، لكنه أقرّ بأن صياغتها ستحتاج وقتاً. وقال: «سيكون طريقاً طويلاً لإقناع الناس بأن هناك نهجاً مختلفاً، لكن لا يتعين أن نلقي بالطفل مع ماء استحمامه». ويشعر بعض الحضور بقلق من أن وتيرة التغير التكنولوجي والطبيعة المدمجة المعقدة للاقتصاد العالمي تصعب على الزعماء تشكيل الأحداث والتحكم فيها، ناهيك عن إعادة تشكيل النظام العالمي.