تدرك شركات النفط العالمية الكبرى بأن حزمة اتفاقات وقرارات تغير المناخ الصادرة عن أعلى سلطة عالمية معنية بمتابعة ومعالجة موضوع تغير المناخ الذي يشكل أحد أكبر التحديات الوجودية للكوكب الأرضي في السنوات القليلة المقبلة، تتربص بها وبأنشطتها الإنتاجية انطلاقاً من تحميل منتجاتها من الهيدروكربون القسط الأوفر من مسؤولية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحديداً غاز ثاني أكسيد الكربون وتركيزاتها في الغلاف الجوي. ما بين تجاهل ورفض التعاطي بجدية مع هذا المعطى/ التحدي وما بين محاولة التماهي معه ومجاراته، تصيغ كبرى شركات النفط العالمية سياساتها المتعلقة بتغير المناخ. ففي نفس اليوم الذي دخلت فيه اتفاقية باريس لتغير المناخ حيز التنفيذ وهو 4 نوفمبر 2016، أعلن تحالف ضم عشراً من كبريات شركات النفط العالمية هي: توتال الفرنسية، أرامكو السعودية، رويال داتش شل الهولندية البريطانية، بريتش بتروليوم البريطانية، ستات أويل النوريجية، CNPCالصينية، أيني الإيطالية، ريبسول الاسبانية، و Pemexالمكسيكية، و RelianceIndustries Limited الهندية - أعلن أنه سيخصص 10 مليارات دولار للمساهمة في جهود مكافحة مخاطر تغير المناخ. لكن هذا الإعلان الذي أبدى دعمه لاتفاق باريس لتغير المناخ، قوبل بفتور من جانب خزانات الأفكار المتخصصة في قضايا الطاقة وتغير المناخ، نظراً لأن المبلغ يشكل نقطة في بحر قبالة مبلغ ال 5 تريليونات دولار الذي يمثل الأرباح السنوية لهذه الشركات، وبما أنفقه العالم في عام 2015 وحده على الطاقة النظيفة والذي قُدّر بنحو 348 مليار دولار، فضلاً عن أنه سوف ينفق على مدار 10 سنوات أي بمتوسط 10 ملايين دولار سنوياً لكل شركة من هذه الشركات العشر التي تضطلع بنحو 20% من إنتاج النفط والغاز في العالم. كما أن استثماراته ستوجه نحو تقنية اصطياد وتخزين ثاني أكسيد الكربون، وتطوير كفاءة قطاع النقل، والصناعات كثيفة الطاقة، أي في نفس خط أعمال هذه الشركات وليس في القطاعات المنافسة، أي مصادر الطاقة المتجددة. وللمقارنة فقط فإن النفقات الرأسمالية لشركة واحدة منها فقط هي شل ستبلغ بنهاية 2016 ما بين 26-29 مليار دولار. كما أن أكبر شركة نفط في العالم وهي شركة اكسون موبيل لم تنضم لهذه المبادرة، وكذلك لم تنضم إليها الشركة الأمريكية الأخرى شفرون. وفيما يشبه الرد غير المباشر على مبادرة الشركات العشر سالفة الذكر، أصدرت شركة وود مكنزي للاستشارات، بعد أيام من تلك المبادرة، وتحديداً يوم الثامن عشر من نفس الشهر، دراسة حذرت فيها من أن شركات النفط العالمية قد تجد نفسها معزولة جراء عملية التحول نحو مصادر طاقة أقل نفثاً للكربون، نتيجة لتواضع استثماراتها في التكنولوجيا الخضراء، وكذلك تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط إلى متوسط 0.5% سنويا في السنوات العشرين القادمة مقارنة بخمسة أضعافه تقريباً لمتوسط نمو الطلب على مصادر الطاقة المتجددة. وباستنثناء توتال الفرنسية التي استثمرت 2.5 مليار دولار في البطاريات وفي شركات الطاقة الشمسية، وشركة ستات اويل النرويجية التي استثمرت في طاقة الرياح البحرية، فإن بقية شركات النفط العالمية لا تبذل جهداً واضحاً لتنويع سلة استثماراتها تقليصاً لهيمنة النفط عليها. ولكن التقارير الأخيرة الصادرة عن منظمة الأقطار المصدرة للبترول أوبك وعن وكالة الطاقة الدولية، تجزم بأن نمو الطلب على النفط سوف يستمر على الأقل حتى عام 2040، مدفوعاً بالطلب الآسيوي. ومع ذلك فإن تقارير المنظمتين تستدرك في توقعاتها بالإشارة إلى أن ذروة الطلب (التي يتوقف عندها نموه وربما يبدأ بالهبوط أو الاحتفاظ بمستواه المبلوغ)، قد تحدث خلال السنوات الخمس عشرة القادمة في حال اتفق العالم على اتخاذ إجراءات بالغة الاندفاع لكبح أخطار التغيرات المناخية. وإذا كانت شركات النفط العالمية قد نجحت حتى الآن في تفادي آثار التحول العالمي نحو الاقتصادات والنمو الخالي من الكربون بسبب تركيز دوائر صناعة القرار الأوروبي حالياً، على خفض الانبعاثات من محطات توليد الطاقة والقطاعات الصناعية من خلال سياسات ضريبية كربونية، فإن ذلك قد يتغير وذلك بإدراج شركات إنتاج النفط ضمن هذا الاستهداف خلال العقد القادم. بالمقابل فإن وود مكنزي ذاتها تتوقع أن يستمر نمو الطلب العالمي على النفط حتى عام 2035 ولكن بوتيرة أبطأ. محمد الصياد