في بلد يعمل به قرابة الخمسة عشر مليوناً من الأجانب في مختلف المهن والوظائف، لجأت بعض الجهات في القطاع الخاص الى الإعلان عن وظائف متوفرة بمهن عاملات نظافة للسعوديات، ومهن الحراس للسعوديين، في صورة توحي بصعوبة استعادة سوق العمل من المتسترين والعمالة التي تدير هذا السوق وتهيمن على وظائفه منذ زمن ليس بالقريب. تبدو الإعلانات التي تطلب سعوديات كعاملات نظافة، والسعوديين الحراس مؤلمة لبعض المواطنين، لأنهم يدركون أنهم حين يعملون لدى تلك الجهات التي تقف وراء هذه الإعلانات، سيجدون الوظائف القيادية والمرموقة يهيمن على المقيمون، بينما أبناء البلد يتولون القيام بالعمل في المهن الوضيعة. وإن كان المواطنون يدركون سلفاً أنه ليس عيباً أن يعمل الإنسان في عمل شريف حتى لو كان عامل نظافة أو حارس، إلا أنهم يدركون كذلك أنه من الغبن أن تُختطف الوظائف التي تدر دخولاً جيدة من قبل المقيمين، وتترك تلك الوظائف الهامشية للمواطنين، كنتيجة لاختطاف القطاع التجاري الذي وقع بأيدي الأجانب منذ عقود، وأصبحوا يتوارثونه حتى أصبحت ثقافة لدى الناس أن القطاع الخاص للأجانب والوظائف الحكومية للسعوديين طيلة العقود الماضية. وبحسب مختصين تترك الإعلانات التي تطلب سعوديين وسعوديات للعمل في مهن متدنية أثراً نفسياً عميقاً يدعو للإحباط، ويلقي بظلاله على وطنية أولئك المواطنين وانتمائهم، ويفقدهم دفء شعور المواطنة، وبحسب الدكتور محمد القحطاني –أستاذ علم النفس– عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فإن هذه الإعلانات أمر مؤذٍ لمشاعر المواطنين، لكنه أكد في الوقت ذاته أن العمل في أي مهنة شريفة ليس عيبا، مشدداً على مراعاة الظروف الاقتصادية للبلد، ومتى يصبح توظيف المواطنين في مهن كهذه أمراً مقبولاً. وبين د.القحطاني أنه قد يكون من المقبول الإعلان عن وظائف في هذا المستوى عندما يصبح جميع المواطنين يشغلون جميع الوظائف الشاغرة في البلاد، لكنه قد يكون مستفزاً حينما يكون الوافدون يشغلون وظائف جيدة، ويبحث عن السعوديين لشغل وظائف متدنية الأجور والقيمة. وشدد على أن مواطني الدول الغنية يحلمون دائماً بوظائف جيدة، وذات دخول مجزية، وأن الإعلان عن وظائف بهذا المستوى يؤدي إلى إحباط أولئك المواطنين، وربما استيائهم.