خضعت حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية وحكومة العهد الأولى لمناقشة بيانها الوزاري أمام المجلس النيابي اللبناني، طالبة الثقة على أساسه، في جلسة رأسها رئيس المجلس نبيه بري، فانطلقت ثلاثية جلسات «استعادة الثقة» بالزخم نفسه الذي يحكم كل استحقاقات انطلاقة العهد ورغبة قوية في تجاوز كل العراقيل للعبور الى المرحلة التالية بعنوانها الانتخابي. لكن الجلسة الصباحية الأولى التي غلب عليها طابع الهدوء والرتابة بعيداً من الصخب السياسي، وظلت تحت سقف التوافق، عكرتها مشادة كلامية قاسية وجارحة بين نائبي كتلة واحدة، هما خالد الضاهر(حجب الثقة) ورياض رحال، ضبط إيقاعها تدخل بري، طالباً شطب، «العبارات النابية» من المحضر. جلسات المناقشة التي حددت بثلاثة أيام، أكدت مصادر نيابية لـ «الحياة» أنها ستنتهي اليوم على أبعد تقدير بسبب شطب الكثير من النواب أسماءهم عن لائحة طالبي الكلام واقتصار المداخلات على رؤساء الكتل أو من ينوب عنهم. وأفتتحت الجلسة، بملء الشواغر في هيئة مكتب المجلس وعضوية اللجان الدائمة بسبب التوزير وجاءت النتيجة بالتوافق، وحل وائل أبو فاعور في هيئة مكتب المجلس بدل الوزير مروان حمادة بالتزكية. وهنا لفت بري قبل البدء بتلاوة البيان الوزاري الى أخطاء خصوصاً العبارة التي تقول «في المناطق المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي»، فأصبحت في «المنطقة الاقتصادية الخالصة» كما تمّ تصحيح عبارات أخرى. ثم أعطيت الكلمة للحريري الذي ألقى قبل تلاوته البيان كلمة وفيها: «اجتمع مجلسكم بكامل أعضائه في 31 تشرين الأول(اكتوبر) وانتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. لم تكن تلك الجلسة السادسة والأربعين لملء الشغور الرئاسي، بل كانت الجلسة الأولى لعودتنا جميعاً الى الانتظام تحت قبة البرلمان لإعادة تأكيد ثقتنا بنظامنا الديموقراطي البرلماني وبالشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، ومن أجل الانتقال بدولتنا وأهلنا ووطننا من الانقسام الحاد الى الوحدة الوطنية ومن الخصومة والانقسام الى التنوع والاختلاف». وكانت الكلمة الأولى للرئيس تمام سلام بصفته النيابية فأعلن منح الثقة لحكومة «استعادة الثقة»، وشدد على أن «لبنان لا يستطيع أن يكون واحة من الرخاء وسط الحوادث التي تجرى من حوله». ورأى أنه «يجب التسليم بأن أي إصلاح أو تطوير للنظام السياسي لا يمكن أن يتم إلا بالتوافق وفي مناخات سليمة ووفق الآليات الدستورية المعتمدة». وأشار إلى أن «في البيان الوزاري أهدافاً طموحة نأمل بأن تؤدي إلى تمكين الحكومة من تحقيق جزء أساس منها في الفترة المتاحة لها من الآن إلى حين إجراء الانتخابات النيابية، ومن البديهي أن يكون القانون في سلم الأولويات، إضافة الى إقرار موازنة عام 2017». ورأى انطوان زهرا «انه لا يمكن في أي طريقة ممارسة الرقابة من دون إقرار موازنة وهي أساس الاستقرار الاقتصادي». وقال: «نرحب بالعهد الجديد، لكن كيف نحترم الدستور والحكومة تتنازل في بيانها الوزاري عن الوكالة في الدفاع عن لبنان». وأكد «أن للحكومة مهمتين أساسيتين إقرار الموازنة وقانون انتخابي جديد». ولفت فريد الخازن الى أن «الاقتراع النسبي هو الأكثر تمثيلاً، كما أن الكلام عن قانون الانتخاب أصبح أشبه بالمزاد العلني، فيتم تظهير القانون وكأنه الدواء الشافي لكل أمراض الدولة والمجتمع، وفي المعمعة ضاع الكلام عن الجوانب التقنية لنظام الاقتراع النسبي». الجسر: استعادة الثقة مفتاح الحل وقال سمير الجسر باسم كتلة «المستقبل»: «خرجنا من الفراغ الرئاسي وأزمة البلد بمبادرة من الرئيس سعد الحريري، وهي لم تكن الأولى له ولا مرتجلة، بل كانت نتيجة تواصل طويل وحوار رسم إطاراً لمشاركة حقيقية لكل اللبنانيين في الحكم». ورأى أن «أهم ما في المبادرة أنها كسرت الحلقة المفرغة التي بقي البلد يدور فيها لسنتين ونصف السنة، من دون أفق في الخروج من النفق. مبادرة حتى لو اختلفت معها لا تستطيع أن تنكر أنها أخرجت البلد من دوامة الفراغ السياسي وأعادت الحياة الى المؤسسات الدستورية التي تعطلت». وزاد: «مبادرة لم تكن لتتم لولا تجاوب كبير من معظم القوى السياسية بما أمن تأمين النصاب وإتمام العملية الديموقراطية حتى من قبل الذين لم يكونوا مع المبادرة. وتبع انتخاب الرئيس تكليف وتأليف، وبيان وزاري اتخذ عنواناً له «استعادة الثقة». نعم، استعادة ثقة الناس هي مفتاح الحل». وأكد «أننا فقدنا ثقة الناس في كل شيء وحتى نستعيدها لا بد من التمسك بوثيقة الوفاق الوطني وتنفيذها بالكامل وتطبيق الدستور من دون الالتفاف عليه من باب التفسير». وقال: «لقد فقدنا ثقة الناس عندما أشعرناهم أن بعضاً من لبنان لا ينتمي اليه ولا يحظى بالخدمات، وعندما عطلنا مؤسسة مجلس الوزراء عن العمل وعندما عطلنا المجلس النيابي وعندما تقاذفنا التهم حتى شككنا الناس بكل شيء، فقدنا ثقة الناس عند تقديم المصالح الضيقة على مصالح الوطن والاعتبارات الطائفية على اعتبارات الحق، وعندما عطلنا تداول السلطة بالتمديد، وعندما أصبح تفسير الدستور وجهة نظر». وقال الجسر أنه «وبناء لتكليف من رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة الذي اضطر للتغيب لارتباط سابق خارج لبنان، ومن زملائي في الكتلة أعلن باسمهم منح الثقة لحكومة «استعادة الثقة». لإعلان حال طوارئ شبابية ودعا سيمون أبي رميا الى «إعلان حال طوارئ شبابية لإعطاء الثقة للشباب اللبناني وأطالب بأن يكون هناك مرة في الشهر جلسات مناقشة خارج الإطار التشريعي بين مجلس النواب والوزراء لأن لدينا حقاً بأسئلة شفوية للوزراء وتكون منقولة أمام وسائل الإعلام ليكون الشعب شاهداً على العمل الجدي ونكون بذلك نحاسب ونسائل». وطالب نعمة الله أبي نصر بـ «تحييد لبنان عن الصراعات العربية والإقليمية بحيث نكون مع العرب إذا اتفقوا وحياديين إذا اختلفوا بالإضافة إلى حل الخلافات بالحوار مهما طالت جلساته والتخلي عن منطق العنف». واعتبر جوزيف معلوف أن «أفضل الممكن في الوقت الراهن يكمن في فتح الباب لاعتماد قانون انتخابي على أساس المختلط». وشدد على أن «مسألة حصرية السلاح وقرار السلم والحرب يجب حصرهما بالدولة»، معتبراً أن «المقاومة حق تمارسه الدولة دون سواها عبر أجهزتها وفي مقدمها الجيش». ورأى ابراهيم كنعان الذي منح الثقة للحكومة باسم «تكتل التغيير والإصلاح» أن «تفعيل عمل مجلس النواب الرقابي والتشريعي في حاجة إلى وجود معارضة وموالاة ومحاسبة فعلية تخرج عن إطار الخلفيات السياسية الضيقة»، مؤكداً أن «لبنان في حاجة الى إقرار موازنة عامة شفافة، تأخذ في الاعتبار الإنفاق من دون ضوابط الذي كان يحصل طيلة السنوات الماضية»، موضحاً أنه «من دون التكامل بين الموازنة والحسابات المالية لا يمكن أن تتم محاسبة صحيحة». وأشار الى أن «النسبي هو الأفضل لتمثيل الجميع، وأننا منفتحون على مناقشة أي نظام يؤمن المناصفة والتمثيل الصحيح». وأعلن عضو كتلة الحزب «السوري القومي الاجتماعــي» مروان فارس أن «الكتلة تمنـــح الثقـــة لحكومة الرئيس الحريري»، ودعـا الحكومة الى «ضرورة إقرار سلسلة الرتب الرواتب»، مشدداً على «حق المرأة في المشاركة السياسية». ومنح علي عمار الثقة للحكومة باسم كتــــلة «الوفاء للمقاومة»، مشيراً الى أن «المطــــلوب منا اليوم أن نخوض جميعاً معــــركة استعادة الثقة». وتوجه الى الحريري قائلاً إن «كل ما نأمله من هذه الحكومة أن تكون وفية وملتزمة بيانها الوزاري، في حدود الممكن ونحن سنمد اليد متعاونين مساهمين الى أبعد الحدود في تقليعة هذه الحكومة نحو ما يطمح اليه اللبنانيون، ونحن نعلم الوقت الراهن بالتحديات والزمن المحدود في الإمكانات، ولذا نحن نمد اليد الى هذه الحكومة، فيجب أن تؤخذ بعض الأمور بعين الجدية والمسؤولية والاحترام، إذ إن هناك قوانين صدرت عن هذا المجلس النيابي، وحتى الآن لم تطبق». وأشار الى أنه «وبما أننا انطلقنا من خلال هذه الحكومة فيفترض أن يقوم المجلس النيابي بدوره كاملاً». وفي الجلسة المسائية، منح غازي العريضي باسم «اللقاء الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط، الثقة للحكومة. انفجرت بين الضاهر ورحال اندلع سجال عنيف بين عضو كتلة «المستقبل» النائب رياض رحال والنائب خالد الضاهر خلال كلمة الأخير في جلسة إعطاء الثقة للحكومة، تخلله كلام جارح. وكان الضاهر، تناول في مداخلته موضوع إنماء عكار فلفت الى أن «الفقر في لبنان هو بنسبة 30 المئة وفي عكار 70 في المئة، وهناك غياب تام للحكومات ولمجلس الإنماء والإعمار والمدارس»، وقال: «نحن أمام سياسة مقصودة تجاه هذه المناطق، هذه سياسة كيدية. نحن في دولة إساءة الى المواطنين؟ تهم الإرهاب جاهزة، عشرات آلاف الوثائق في حق شعبنا وثائق غير قانونية، هل هذا أمر مقبول؟ هل الحكومة مسؤولة أم لا؟». وسأل: «هل القيادة السياسية ستلتزم المعايير السياسية وحقوق الإنسان؟»، وقال: «نريد كرامة إنسانية. يجب أن يعاملوا معاملة إنسانية وتتوقف الاعتقالات العشوائية. نحن أمام مشكلة إنسانية علينا أن نتعامل معها»، متمنياً أن «يُعلن في بداية العهد عفو عام عن الإسلاميين». وعندما تطرق الى «الإنماء المتوازن»، وتمنى على الرئيس بري أن «تشمل عنايته منطقة الشمال كما الجنوب»، قاطعه النائب رياض رحال قائلاً: «أنت زعلان لأنك لم تحصل على وزارة فلو كنت وزيراً فعليك بالإنماء، أنت خرمان حتى تصير وزير». فقاطعه الضاهر قائلاً: «واحد مثلك بكون خرمان على وزراة. أنا أكبر منك ومن أي وزارة. واحد خرفان مثلك ما بيطلعلو يحكي معي وما بشرفني وزارات مثل وزارتك». فتدخل بري قائلاً: «شو الو لزوم هذا الحكي. أنت يا خالد مسؤول عن الجنوب كما أنت مسؤول عن عكار». رحال: «دعه يا دولة الرئيس يفش خلقه، لأنو ما إجا وزير». الضاهر: «اسكت، أنت قليل الأدب وقليل أخلاق، سكر تمك». رحال: «عيب عليك، احترم حالك واحترم المجلس». الضاهر: «يا ليتك بتعرف تحكي، يخرب بيتك شو أهبل». رحال: «ما بقى رد على واحد بلا أخلاق». وهنا تدخل بري بحدة وقال للضاهر: «هذا الكلام غير مسموح به في المجلس. لا حق لأحد أن يقاطع زميله. كل العبارات النابية التي صدرت منك ومن الزميل الآخر تشطب من المحضر». كتلة الميقاتي تتغيّب تغيّبت «كتلة التضامن» النيابية التي تضم الرئيس نجيب ميقاتي وأحمد كرامي، عن الجلسة النيابية المخصصة لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، معلّلة غيابها بـ«حصول صفقة سياسية بدأت مع انتخاب الرئيس ميشال عون، واستمرت بتشكيل حكومة العهد الأولى، في حين كان المطلوب تسوية وطنية جامعة تنتج من حوار وطني جاد وصريح وبنّاء بين كل القوى السياسية، يزيل الهواجس ويحصّن الوطن في هذا الظرف الدقيق». ورأت الكتلة في بيان، «أن الناس سئموا المداخلات والمطولات الخطابية، وباتوا يتطلّعون فقط الى معالجة مشكلاتهم الحياتية بعدما سقطت كل الدوافع السياسية التي اصطفّت خلفها القوى والكتل السياسية». وشدّدت على «أن التغيير الحقيقي يبدأ بإقرار قانون للانتخابات يمثل تطلعات اللبنانيين وآمالهم، وننتظر أن تنال طرابلس نصيبها من المشاريع الإنمائية والخدماتية، لا سيما تنفيذ المشاريع المدرجة ضمن مبلغ المئة مليون دولار الذي أقرته حكومتنا السابقة».