×
محافظة المنطقة الشرقية

المملكة تؤكد من «الأمم المتحدة» في نيويورك: السعوديات يشغلن العديد من المناصب ورئاسة الجامعات وإدارات البنوك والشركات

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي دخلت أفغانستان أربع حروب استقلال خلال أقل من قرنين. دخلت حرباً ضد الإمبراطورية البريطانية، وحرباً ضد الاتحاد السوفياتي، وتشتبك الآن ومنذ ثلاثة عشر عاماً، في حرب ضد الولايات المتحدة، ويصنف أغلب الأفغان وعدد من «المفكرين الجدد» في العالم الناهض هذه الحرب كسابقاتها على أنها حرب استقلال. تذكر غالبية الكتابات التي سجلت مراحل الحروب الأربع، أن الطرف الأجنبي في كل حرب من هذه الحروب دخلها وخرج منها قبل أن يفهم تماماً طريقة تفكير خصمه الأفغاني وأساليب قتاله وتفاوضه، وقبل أن يتعرف بالمقدار الكافي والمناسب إلى حقيقة نواياه وأهدافه وأنماط تحالفاته. بات واضحاً ومؤكداً أن الولايات المتحدة، بقيادة باراك أوباما، قررت الخروج من أفغانستان حتى قبل أن تتوصل إلى تفاهم مع «الطالبان» أو إلى نصر مبين. وبالفعل فقد أوفى أوباما بمعظم الوعد الذي قطعه على نفسه، فانخفض عدد قواته في أفغانستان من 100 ألف جندي في عام 2010، إلى ما لا يزيد على 45 ألف جندي. وهو الآن بصدد سحب كل قواته قبل نهاية هذا العام، باستثناء عدد لا يتجاوز عشرة آلاف. لم يتخيل أوباما في أي وقت خلال رئاسته الأولى أنه سيكون مضطراً إلى خوض معركة مفاوضات شاقة مع الرئيس الأفغاني عندما يقترب موعد الرحيل. الآن تريد الولايات المتحدة عقد اتفاقية أمنية مع كابول تضع الشروط والضمانات والحصانات اللازمة لحماية العدد البسيط من الجنود الأميركيين الذين سيستمر وجودهم بعد كانون الأول (ديسمبر) 2014، وتحدد بالدقة اللازمة مستقبل العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين الدولتين. كان مثيراً، وما زال، رفض الرئيس كارزاي التوقيع على مشروع الاتفاق الأمني. تعددت التفسيرات وكثرت الاجتهادات. إذ من المعروف أن الرئيس الأفغاني يغادر قصر الرئاسة في شهر نيسان (أبريل) المقبل، ولن يعود إليه في الوقت المنظور وفق القواعد الدستورية المتفق عليها. لماذا يرفض كارزاي التوقيع، وهو في كل الحالات، لن يكون مسؤولاً عن مراحل تنفيذ الاتفاق؟ ولماذا التصعيد الغريب من جانبه ضد الولايات المتحدة التي جاءت به من منفاه ليتولى منصب الرئاسة، ووقفت تؤيده وتحميه هو ورجاله من غارات «الطالبان» ومؤامرات خصومه؟ هذا من ناحية. من الناحية الأميركية، الأمر لا يقل غرابة. إذ تصر الولايات المتحدة على أن يوقع على الاتفاق الرئيس الحالي وليس الرئيس المقبل. لماذا تريد واشنطن كارزاي شريكاً لها في التوقيع على هذه الاتفاقية الحيوية؟ أسئلة كثيرة ولا إجابات قاطعة، مثل كل الأسئلة والإجابات المتعلقة بأفغانستان منذ القدم. يتردد أن أميركا ربما أرادت أن تنهي أموراً معلقة كثيرة مع حكومة تعرفها ولها أفضال عليها من أن تبقي هذه الأمور معلقة للتفاوض مع حكومة أخرى لا تعرفها. يتردد أيضاً أن أوباما أراد أن يصفي الموضوع الأفغاني ويرفعه من جدول اهتمامات السياسة الأميركية قبل أن تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية الجديدة في الولايات المتحدة،. آراء أخرى لم تستبعد احتمال تأثير حقيقة صارخة تقلق القيادتين العسكرية والسياسية في واشنطن، وهي أن «الطالبان» يزدادون قوة، وستضطر أميركا إلى التفاوض معهم إن آجلاً أم عاجلاً. كان الأفضل أن يتم ذلك عاجلاً، وهو ما حاولت أميركا أن تستعجله وعطله الرئيس كارزاي. كان أمل واشنطن أن يتمكن المفاوض الأميركي من استخدام مشروع الاتفاق كورقة ضغط على «الطالبان». واستمر كارزاي عنيداً في إصراره على رفض التوقيع على الاتفاق، بل إنه أضاف إلى هذا الإصرار في الأسابيع الأخيرة، تصعيداً في حملته الإعلامية والسياسية المعادية للولايات المتحدة. وصل التصعيد إلى حد اتهام الولايات المتحدة بارتكاب جرائم حرب في أفغانستان ومطالبتها بالجلاء فوراً. إصرار غريب وتصعيد في لهجة الخصومة، ولم يبقَ له في الحكم سوى أسابيع معدودة. قيل في تفسير هذا الموقف الغامض من جانب كارزاي إنه يساوم به ليحصل من الأميركيين على مصالح مادية لحكومته أو لعائلته أو لشخصه أو لهم معاً قبل الرحيل، ولعله بذلك يؤكد للكونغرس الأميركي غضبه بسبب قرار الكونغرس تخفيض المخصصات المالية التي كان يحصل عليها كارزاي وقصر الرئاسة، نقداً من خزينة الولايات المتحدة. اجتهد آخرون فقالوا بل إن كارزاي استطاع فعلاً وبنجاح ترتيب تحالف مع حزب حكمتيار الإسلامي، وهو يأمل بذلك في أن يعود إلى الحكم إذا غضب الأميركيون ورحلوا، أو إذا غضبوا وأخلوا بموعد رحيلهم. يعلم كارزاي أن أوباما سيكون في وضع شديد الحرج أمام الرأي العام الأميركي وحلفائه في الأطلسي إذا اضطر لتأجيل رحيل قواته. بمعنى آخر صار كارزاي يراهن على غضب أميركي ينتهي برحيل مفاجئ وكامل. من ناحية ثالثة، يوجد احتمال ولو غير صريح في أن يكون كارزاي اطمأن إلى وعود من دولة أو أكثر من دول الجوار لتحل محل أميركا في القيام بحمايته وحماية جيشه ضد «الطالبان»، أو على الأقل تؤمن له طرفاً أفغانياً يشاركه في الحكم. هذه الدولة لن تكون بالقطع باكستان ولن تكون روسيا، ولكنها قد تكون إيران. من ناحية رابعة، أشار معلقون سياسيون على علاقات بشخصيات نافذة في كابول، إلى أن كارزاي، بهجومه اللاذع وعصبيته في التعامل مع واشنطن ودول أميركا الغربية، يأمل في أن يكسب شعبية واسعة في صفوف الجيش الأفغاني وبعض فئات الشعب، باعتبار أنه بهذا الهجوم ينتصر للموقف التاريخي التقليدي للشعب الأفغاني ضد القوى الأجنبية. تبقى نقطة خامسة يصعب أن يصدقها عقل حكيم، وهي أن كارزاي عاد في آخر الأمر إلى رشده وأراد أن يكفر عن ذنب تعاونه مع «الإمبريالية» الأميركية والقوى الأجنبية فراح يستعد لكي يعلن للعالم، وللأفغان خصوصاً، أن أميركا وحلف الأطلسي تسببا في خراب أفغانستان، أفسدا القبائل والأفراد، قتلا الأطفال والمدنيين بغاراتهما مستخدمين طائرات «الدرون»، تحالفا مع باكستان ضد الشعب الأفغاني، دمرا ثروات وزراعات ومناجم، وفوق هذا وذاك، يتآمران الآن مع قوى داخلية بهدف تقسيم البلاد، وإقامة دويلات مستقلة. مرة أخرى عدنا نسمع عن خطط الانفراط والتقسيم وإعادة رسم الخرائط، خطط بالعشرات تتنقل بين الشرق الأوسط وشرق أوروبا وجنوبها وأفريقيا ووسط آسيا. يبدو أن قليلين هم الواثقون من أن الاستقرار سيعم الأراضي الأفغانية في أعقاب تولي حكومة جديدة الحكم في كابول، بل ورحيل قوات الأطلسي والولايات المتحدة. إذ تذهب معظم التوقعات إلى أن انفراط أفغانستان لم يعد احتمالاً بعيداً أو مستحيلاً، وأن تنظيم «القاعدة» قد يجد الفرصة سانحة للعودة إلى بلد تسوده مظاهر الفوضى ويفتقر إلى حكومة حازمة، وأن الجيش الذي يعتمد كله على المعونة الأميركية لن يقوى على الاستمرار موحداً ومنضبطاً لفترة طويلة. تذهب التوقعات أيضاً إلى أن قبائل الجنوب لن تصل إلى تفاهم معقول وفي أجل مناسب مع جيش غالبيته العظمى من أبناء الطاجيك، سكان الشمال. تذهب كذلك إلى أن دول الجوار لن تسكت طويلاً على حال قد تتدهور إلى الفوضى الشاملة في دولة أثبتت على مر الزمن قدرتها على تهديد الاستقرار الإقليمي. لن تسكت الصين أو روسيا أو الهند أو إيران، ولن تبقى هادئة قوى الإسلام السياسي المتطرف الصاعدة في أقاليم ودول شمال ووسط آسيا. تنتهي، أو تكاد تنتهي، أطول حرب خاضتها أميركا في الخارج، تنتهي ولم تنه عملها. تنظيم «القاعدة» الذي راحت أميركا إلى أفغانستان لتقضي عليه، أفلت وجاء إلى الشرق الأوسط وأفريقيا في طريقه إلى أوروبا، وهو الآن يهدد الأمن والاستقرار في مناطق أوسع وأهم استراتيجياً. تنتهي الحرب التي كان أحد أهدافها اختبار أساليب للتعامل مع تيار الإسلام السياسي. انتهى الاختبار في الحرب ضد أفغانستان بفشل أسلوب استخدام العنف ضد الأطراف المتشددين، وبفشل أسلوب ترويض القوى المعتدلة باستخدام صندوق الانتخاب. فشل الاختبار في أفغانستان واستعدت شعوب أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا لدفع ثمن هذا الفشل فادحاً.     * كاتب مصري