نشر الزميل غسان شربل في «الحياة» ثلاثة نصوص من ثلاث مقابلات في مدة خمس سنين مع علي عبد الله صالح، كرر فيها، ثلاث مرات، أنه لا يريد البقاء في الرئاسة. لقد تعب فخامته، ويريد يوما لنفسه بعدما ضحى بزهرة شبابه في سبيل اليمن، مثل أبي فراس الحمداني «زين الشباب الذي لم يمتع بالشباب». الزميل غسان هو صاحب أكبر عدد من المقابلات السياسية في الصحافة المكتوبة – على الأرجح – يتجاوزه فقط أصحاب البرامج التلفزيونية بسبب إيقاعها الأسبوعي مثل الزملاء عماد الدين أديب وأحمد منصور، والآن نجم «العربية» الشاب طاهر بركة، الذي كنت أعتقد من اسمه أنه فلسطيني أو مصري، فإذا الطهر والبركة من جوارنا في جبل لبنان. في كل الحالات، المسؤولية على صاحب الجواب، وما على صاحب السؤال إلا طرحه. وقد شاعت مدرسة أطلقتها الأميركية بربارة والترز، التي تقاعدت أخيرا مع الشكر، وهي مناقشة المسؤول فيما يقول، ونقضه أو تكذيبه. وهذه ليست صحافة. هذه محاكمة وادعاء عام. وأنا ضد هذا الأسلوب. ففي المقابلة سائل ومجيب. وعندما يكون السائل هو أيضا المجيب، سلامتك. أنا كقارئ، أملك الحرية في أن أثق بالجواب، أو أن أشكك فيه. وكقارئ، لم أصدق كلام علي عبد الله صالح حتى عندما وقف يعلن على التلفزيون بـ«الثلاث»، أنه لم يعد يريد الرئاسة. ولم أتردد في الكتابة، ذلك اليوم بالذات، بأن الحاوي سوف يخرج من قبعته في الساعة المناسبة، أرنبا، أو عشرة أرانب. ثبت أنني على حق، ليس لأنني أقرأ الطالع وأضرب في الرمل والودع، وإنما لأنني أتابع السياسيين العرب، ولأنني أعرف أن السياسة العربية معظمها تذاك، لا ذكاء، واعتماد على الذاكرة العربية التي لا ذاكرة لها، ولا دروس، ولا عبر، ولا محاسبة. كل ما يمكن أن يتنازل عنه السياسي العربي هو خفض نسبة «بالروح بالدم» من 99.999 في المائة إلى 96.996 كما فعل المشير اليمني. صدام جعلها 100 على 100 لأن المنطق العربي يتسع لأكثر من ذلك، وللتواضع أحكامه وأرقامه. الذي قال إن الكذب ملح الرجال، كان كاذبا. الكذب سوس الأمم، لا سياستها. والشعوب التي تغفر لزعمائها استغفالهم لها، ترى نفسها يوما في مواجهة الخراب. الكذب طريق الهاوية والتكاذب طريق القعر. أنا أحب الصادقين، ولو على خطأ، لأن الصدق أول نتاج الضمير. لم يكن على الزميل غسان شربل أن يصدق ما يسمع. كل ما كان عليه فعله هو أن يدون للتاريخ ما يسمع. بحيث يقارن في الوقت المناسب، فصلا آخر من الفصول.