يونس السيد مهما كانت الذرائع التي سيقت لتبرير السقوط الثاني والمدوي لمدينة تدمر الأثرية وبهذه السرعة، فإن ما حدث يكشف، ليس فقط عن أخطاء عسكرية في التخطيط والتنسيق بين قوات النظام السوري والقوات الروسية، لا تستطيع أن تحجبها معركة حلب أو تسوية إخراج المسلحين منها، بقدر ما تكشف عن طبيعة الصراع على مستقبل سوريا كلها. توغل داعش في عمق البادية السورية بهذه الكثافة في عدد المقاتلين والآليات العسكرية القادمة من الرقة، التي يفترض أنها محاصرة، أو دير الزور تحت أنظار سلاح الجو الروسي والأقمار الصناعية وسرعة انسحاب قوات النظام وحلفائه المدافعة عنها، يثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول حرية تحرك مقاتلي داعش وقدرته على شن هجوم بهذا الحجم، فيما هو يحارب في ثلاث جبهات على الأقل، في الموصل العراقية والرقة والباب السوريتين. وإذا كان صحيحاً أن سقوط تدمر الثاني جاء بالتزامن مع دخول معركة حلب في مراحلها الأخيرة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجود صلة عضوية بين الحالتين، إلا من حيث استفادة داعش من انشغال النظام ووضع كل ثقله في معركة حلب. ولكن التنظيم الإرهابي يعمل أيضاً وفق أجندته الخاصة، فهو لا يتوفر على مقاتلين في حلب، وهو على عداء مع أغلبية الفصائل المسلحة فيها، لكنه يدرك أن تضييق الخناق عليه في كل معاقله الرئيسية، في الموصل والرقة والباب، بات يفرض عليه خلق مساحة جغرافية في بيئة معقدة يمكنه التعويض من خلالها في حال سقوط هذه المعاقل، بل تمكنه أيضاً من استغلال هذه المساحة الممتدة حتى الحدود العراقية، والقريبة من منطقتي القلمون ودمشق، وتفتح له المجال للاستفادة من حقول النفط في البادية وبيع كنوز تدمر الأثرية، للتعويض عن خسائره النفطية وتمويله المالي الآخذ في الانهيار. وبعيداً عن التجاذبات الروسية والأمريكية حول عدم التعاون بينهما في محاربة داعش والانتقادات الموجهة لسرعة انسحاب قوات النظام السوري من المدينة، والغنائم التي حصل عليها الإرهابيون، والتي قد يكون من بينها أسلحة دفاع جوي، فإن سقوطها الثاني يكشف أن صراع الإرادات الدولية لا يتوقف عند حدود حلب وإنما يشمل كل سوريا، وأنه سيتواصل طالما أن هناك من يعمل على سياسة الاحتواء والتوظيف، وهو ما قد يظهر بشكل أكثر وضوحاً بعد التقاط الأنفاس في أعقاب تسوية حلب. لكن كل ذلك يبقى مرهوناً بسرعة طرد التنظيم الإرهابي من المدينة الأثرية، وإلا فإن الإرهاب سيؤكد استراتيجيته في القدرة على التمدد وإطالة أمد الصراع. younis898@yahoo.com