ككل عام منذ عام 2012، استضافت اليونيسكو، يومي الأربعاء والخميس الماضيين: «احتفالية اليوم العالمي للغة العربية» التي جرت هذا العام تحت عنوان: «سبل تعزيز انتشار اللغة العربية في العالم». وترافقت الاحتفالية التي شارك في نشاطاتها العشرات من المدعوين من العالم العربي وأوروبا مع معرض لطيف عن فن الخطوط العربية في بهو واسع في مبنى المنظمة الدولية لعلوم والثقافة والتربية افتتح أمس بحضور مديرة عام المنظمة إيرينا بوكوفا، ورئيس الهيئة العالمية لتنمية اللغة العربية، سفير السعودية لدى اليونيسكو الدكتور زياد الدريس، والعشرات من السفراء والمندوبين والإعلاميين ومدعوي الاحتفالية. وشهد يوم أمس توقيع اتفاق بين مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، ممثلة بأحد مسؤوليها سلطان الخليفي، وإيرينا بوكوفا، تقدم بموجبه المؤسسة السعودية مبلغ خمسة ملايين دولار لدعم نشاطات اليونيسكو في مجال تعزيز اللغة العربية والترويج لها عالميا. شهدت الاحتفالية التي جرت برعاية جائزة الملك فيصل العالية ست ندوات تميزت بالإثراء والتنوع، لكن يجمع بينها خيط واضح، وهو تساؤل عن الطرق والسبل والأساليب التي يمكن انتهاجها من أجل تعزيز مكانة ودور اللغة العربية ليس فقط في الفضاء العربي، ولكن على مستوى العالم. وفي الكلمة التي ألقاها، سرد الدكتور الدريس قصة ولادة ونمو البرنامج الخاص بتعزيز اللغة العربية في عام 2006 بمناسبة زيارة الأمير سلطان لباريس واليونيسكو، واقتراحه برنامجا طموحا لدعم اللغة العربية في المحافل الدولية، ومنها اليونيسكو وانطلاق اليوم العالمي للغة العربية في عام 2012، حيث اتخذ المجلس التنفيذي لليونيسكو قرارا بتخصيص يوم عالمي للغة العربية، وعيّن له يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام. وبحسب الدريس، فإن الغرض تمثل في «إيجاد ركيزة» لرفع مكانة اللغة العربية التي أصبحت لغة دولية مستخدمة في المحافل العالمية. وكل عام، منذ ذلك التاريخ، تجري الاحتفالية في مقر اليونيسكو حول محور محدد. ومن المحاور التي عولجت، اللغة والإعلام، اللغة والعلوم، الحرف العربي، وأخيرا تعزيز انتشار العربية. ويسعى المشرفون إلى استقدام أهل الاختصاص من عرب وغربيين للغوص على دقائق الأمور وليس الاكتفاء بالصور النمطية المتكررة عن العربية ومكانتها العالمية وتميزها عن اللغات الأخرى. ورأى الدريس أن «أفضل خدمة» تقدم للعربية هي في كثرة استخدامها. وإذ اعتبر أن العربية «لن تنقرض» لسبب جوهري هو أنها لغة القرآن، إلا أنه نبه من أن هذا الواقع «لا يضمن عدم تهميشها» إذا أهملها العرب والمسلمون. ومن جانبها، أشارت مديرة عام اليونيسكو بالعربية وبما تمثله باعتبارها «جزءا من صميم الحضارة الإنسانية» و«ثروة ثقافية»، مشددة على حرص المنظمة الدولية على الحفاظ على التعددية والتنوع الثقافي واللغوي في العالم. ورأت بوكوفا أن أحد ما تأتي به الاحتفالية هو تشاطر القيم وتوثيق عرى التفاهم والعلاقات بين المشاركين، مبدية سعادتها بسماع الشعر العربي وبما يقدمه المبدعون العرب للثقافة، ومؤكدة أن للعربية دورا ستلعبه. خلال يوم ونصف اليوم، شهدت الاحتفالية ست ندوات موسعة تناولت دور المؤسسات في تعزيز انتشار العربية والتجارب التعليمية عبر العالم العربي والمبادرات التشجيعية. كما تناولت سرد قصص نجاح في خدمة العربية، فيما تناولت الندوة الأخيرة دور الإعلام في انتشار اللغة العربية أو انحسارها، وقد سبقها إطلاق كتاب ابن الهيثم الصادر عن مؤسسة «ألف اختراع واختراع» و«ناشيونال جيوغرافيك». واستمتع المشاركون بعدد من المداخلات القيمة، بينما جاء بعضها ضحلا خاليا من أي جديد. ولعل من أهم المداخلات وأشملها تلك التي قدمها الباحث رمزي بعلبكي الذي تناول حال اللغة العربية ومفهوم انتشارها وموقع اللغة العربية بين لغات العالم الأساسية. وإذ تناول بعلبكي مكامن القوة والضعف في حالة اللغة العربية، فقد توقف عند مجموعة من العوامل التي من شأنها ضرب موقعها ومكانتها وأول العوامل «إعراض أبناء العربية عنها» وثانيها التوسع في استخدام العاميات ما يفضي إلى ازدواجية لغوية مسيئة. وأشار بعلبكي إلى الضرر اللاحق بالعربية بسبب تضييق مجالات استخدامها كما في تعليم العلوم والتقنيات مثلا بسبب خلو اللغة من المصطلحات المناسبة، وكذلك إلى الضعف في تعليم اللغة العربية. هل ستغير هذه الاحتفالية والاحتفاليات السابقة في حال اللغة العربية وانتشارها؟ من الصعب الإجابة بدقة على هذا السؤال. إلا أنه من المؤكد أن انعقاد هذا النوع من الندوات من شأنه أن يلفت الأنظار إلى واقع اللغة العربية إذا التزم المحاضرون والمتدخلون زاوية «النقد الإيجابي». وهذا التموضع لا يسعى للتنديد باللغة العربية وبتأخر وسائل تعليمها أو بالعدد القليل من الناطقين بها الذين حصلوا على جوائز نوبل للعلوم والآداب... بقدر ما تكون الغاية منه وضع الإصبع على الجرح ومحاولة الدفع إلى الأمام بمقاربة علمية هي الوحيدة التي يمكن أن تمكن العربية لتصبح لغة علوم وتقنيات، أي لغة حداثة بقدر ما هي لغة أصالة.