دائماً نحبذ وصفنا بالوسطيين حيث التوازن والاعتدال في حسم الأمور التي تكثر حولها الحوارات في المجالس والمنتديات وتناقش على مستوى الصحافة المقروءة والمرئية، وكل طرف له تعريفاته للوسطية دون تحديد البدايات والنهايات لكل محور لمعرفة وسطيته المقصودة، حيث إن الأمور نسبية، فما يراه أحد الأطراف وسطاً قد لا يراه الآخر كذلك، حيث إن الأيدلوجيات والثقافات لها ثقلها في تشكيل المفاهيم وتحديد المعايير خاصة في الأمور المختلف عليها بين المذاهب أو في تفسير النصوص، حيث يذهب المتشددون الى الحيطة بحجة درء المفاسد فتضيق عليهم الدروب وتتشعب عليهم المسالك وحينها يصعب عليهم المواءمة بين التفسير الضيق ومعطيات الحياة المستحدثة ويكون منحاهم موصوفا بالتشدد والتزمت وسيكون الطرف الآخر أرحب في تطبيقه لفقه الواقع ولأنه يأخذ بأيسر التفسيرات وهؤلاء يطلق عليهم المعتدلون. أما المتطرفون فهم من يمارسون الغلو بأطروحاتهم ويبتعدون عن نهج العقيدة الصحيحة والسمحة بتأويلاتهم للنصوص بما يتوافق مع فكرهم المطروح مثل الجهاد والولاء والبراء ويتشدقون بالجزئيات الخلافية بين المذاهب ويفرقون بين الطوائف وهذا يفت من عضد الأمة ويجعلنا فرقا متناحرة تحت مسميات دينية. أما الركن الآخر من التطرف فهو يتجه للتغريب والتخريب تحت مسمى العولمة والتطوير الحداثي دون موازين معيارية تحد من هرطقة الغرب ضد مبادئنا وقواعدنا وثوابتنا الدينية، فكل تطرف منبوذ مهما ألبسناه من زخرفات كلامية وخطب رنانة يقصد منها لفت الانتباه أو مكاسب شخصية. فجميع حوارات التطرف تتمسك بالقشور التي يمكن تجاوزها كي لا تكون سبباً في فرقة مجتمع ينشد الصلاح والإصلاح حيث إن جميع الأمور المطروقة تعامل معها الآخرون في عالمنا الإسلامي وطوعوها بما لا يخدش دينا ولا مذهبا مثل قضية المرأة في كشف الوجه وقيادتها للسيارة وسفرها بلا محرم وممارستها للأعمال الحرة بلا وكيل أو عملها في المجالات المتنوعة وكل هذه الأمور لا تخل بعقيدة مؤمن يعرف حقيقة الإسلام بدون تنطع أو انفلات. وهذا ما يطالب به المعتدلون من مشايخنا الأفاضل في عالمنا الاسلامي وما أكثر دعواتهم بالاعتدال وجعلوا من فتاواهم معيارا للقياس أمثال شيخنا الفاضل/ محمد الغزالي رحمه الله وغيره الكثير والذين بحت حناجرهم بالدعوة الى الوسطية التي تبعدنا عن التزمت والانغلاق على أنفسنا وهذا شيء ممقوت ولكي نخرج من هذا المأزق الحضاري يتوجب علينا التعريف الدقيق للوسطية المنشودة.