يقول عبد الله : قدر الله لي أن أولد معاقاً في أسرة تتكون من 12 فرداً، بينهم 3 معاقين جسدياً أنا أحدهم، نتقاسم معاً تفاصيل حياة مؤلمة، كل ما فيها يدعو للإحباط واليأس، حالنا كأسرى في زنزانة ضيقة، لا شمس فيها ولا إشراق، غرباء الروح والجسد، لا نعرف غير أهلنا لدرجة الإحساس أن المجتمع من حولنا لا يعترف بنا. ويضيف: انحصرت طفولتنا بين جدران 4 في منزلنا المتواضع بقريتنا الريفية (يرامس)، كنا نرقب من نوافذ الغرفة التي تحتوينا، حركة الأطفال وهم يسرحون ويمرحون بلا قيود أو عقد، وعندما يبتعدون ويغيبون عن أنظارنا نشعر ونحس بإعاقتنا وعجزنا، فتتبدل ضحكاتنا إلى حزن وسعادتنا إلى تذمر وألم. يقول: لم أتعلم قط القراءة ولم أمسك قلماً في حياتي، حتى حروف اسمي الأربعة كنت أجهلها، لكن لا تتفاجأ إذا عرفت أنني بعد ذلك صرت معلماً، بل وألفت أخيراً كتاباً بعنوان (حياة معاق)، أردت من خلاله تقديم تجربة خاصة ذات أبعاد إنسانية، لا سيما فيما يتصل بعالم المعاقين. جهاد أخوه، كان يكبره بثلاث سنوات، ومعاق مثله، إلا أنه أكمل دراسة الابتدائية قبل أن يتوقف. يضيف عبد الله: عندما بلغت من العمر 20 عاماً كنت أطلب منه قراءة بعض الصحف والمجلات التي كان يجلبها والدي حين ذهابه إلى المدينة، بصوت مرتفع لشغفي وتعلقي بمعرفة الأشياء وحب الاطلاع، وكان لا يتردد في ذلك، ثم طرحت عليه فكرة أن يعلمني حروف العربية ونطقها، ففعل ذلك مشكوراً، ويتابع ضاحكاً: ربما دافعه في ذلك الخلاص من إزعاجي المستمر له معظم ساعات النهار نظراً للفراغ الذي كنا نعيشه. تزامن تعلم عبد الله للقراءة مع كرسي متحرك جلبه والدهم لهم كان الإخوة المعاقون يتبادلون الخروج به، وبواسطته غادروا مساحة منزلهم وحالة الانقطاع والعزلة التي كانوا فيها، وتكونت علاقات مع كثير من الشباب في قريتهم، وحتى ما بعد انتقالنا للمدينة التي شعروا فيها بحياة مختلفة تماماً، في 1989م. يقول: بعد أقل من سنة بدأت القراءة وحدي دون الحاجة له، وكنت أستمتع بذلك كثيراً، وكنت حينها من المحبين لمصر ولكل ما يتعلق بها، والسبب يعود إلى حالة الارتباط الوجداني، فمصر أم الدنيا، وهي بلد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وهي البلد الرائد في السياسة والثقافة والفن والإبداع، فقرأت بعض روايات وكتب نجيب محفوظ وعباس العقاد وطه حسين، وقرأت عن حرب أكتوبر، وصور البطولة والفداء التي سطرها الجيش المصري ضد العدو الإسرائيلي، وكنت أحب أم كلثوم وعبد الحليم ومع مرور الأيام والسنين وتحديداً ما بعد عام 1998 اتجهت إلى قراءة الكتب الدينية: العقيدة والفقه والسيرة، وتعلقت بها تفحصاً وفهماً حتى عرض عليّ بعض الأصدقاء فكرة عمل محاضرات ودروس في المسجد وفعلت ذلك، ثم تكونت لدي العديد من العلاقات والصداقات، وودعت تماماً حياة الانغلاق وعشت حياتي كالأسوياء وربما أفضل. لم تخل حياته من المواقف المحزنة، فحياة المعاق مثقلة بالكثير من الأوجاع والآلام، ساهم فيها نظرة المجتمع القاصرة تجاه شريحة المعاقين، يقول عبد الله: عانيت كثيراً من المعاملة السيئة، فحالتي أشبه ما تكون بمريض بالشلل الرباعي وعندي تقوس كبير في العمود الفقري، الأمر الذي يتطلب مساعدتي بين الحين والآخر أثناء جلوسي على الكرسي. عدن: شكري حسين من على كرسيه المتحرك، يخوض صلاح عوض عبد الله (46 عاماً)، من أبناء أبين اليمنية، معركته في الحياة. ليس له من جسده إلا رأس يفيض بالأفكار، وقلب يجيش بالمشاعر وأصابع يدين يضغط بها زر كرسيه ويرفع بها تلفونه المحمول بصعوبة بالغة، لكنه وبسيف الإرادة والعزيمة، تخلص من إعاقته فجعل من المحنة منحة، ومن الحزن بسمة ومن الابتلاء نعمة وفائدة.