أعلن الرئيس الامريكي باراك أوباما بعد نصف عام من دخوله للبيت الأبيض للمرة الأولى قائلا: "التزامي سيكون نحو حكومات تعبر عن إرادة الشعب". كان هذا في القاهرة ووصف هذا الخطاب في حينه بالمهم، وسماه البعض بخطاب المصالحة مع الأمة الإسلامية.. إلا أن هناك من رأى أن صيغة التملق كانت واضحة في خطاب الرئيس، لأن إرادة الشعب تبدو على نحو جيد في النظريات لكنها لا تنجح في الواقع، ففي الجزائر بالتسعينيات اختار الشعب تحالفا إسلاميا، وكان ذلك تعبيرا عن إرادة الشعب، وكذلك في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي لبنان الذي اسقطت فيه رئاسة سعد الحريري، وأصبح الحكم في يد حزب الله وسورية وايران، فهل سيطرة العصابات الحزبية على مسارات الديمقراطية بالانتخابات هو تعبير عن الديمقراطية؟ التجارب السياسية تقول إن الديمقراطية احيانا تناقض ارادة الشعب ففي اسرائيل تنتخب حكومات ديمقراطية تعبر عن ارادة الشعب، وتقوم بازالة الوجود الفلسطيني بالجرافات والسلاح، فهذه ديمقراطية السلاح والقوة.. فالديمقراطية هي إدارة السلطة بالقانون واحترام حقوق الانسان والاقليات والمرأة، فسقوط السلطة في يد حزب قمعي عن طريق الانتخابات ليست ديمقراطية، بل استبداد، فالديمقراطية ليست سلطة الاكثرية، بل هي سلطة الحقوق الاساسية: العدل، المساواة، المشاركة واحترام حقوق الانسان. في تعليقه على سياسة اوباما في الثورات العربية يقول الكاتب السياسي الاسرائيلي بن درور: "لا يريد اوباما في الحقيقة سلطة تعبر عن إرادة الشعب – وهو ليس وحده- بل يريد سلطة تفعل ما يعتقد انه صواب، وهكذا كان الأمر وسيظل كذلك". للديمقراطية شروط تمهيدية كان على البيت الابيض المساعدة في صياغتها مثل تفكيك العصابات الحزبية في العالم العربي، كحزب الله وحماس، والاتفاق على حل الصراعات الاقليمية والدولية بالطرق السلمية، وهذه الشروط غير موجودة بالديمقراطية التي يدعمها البيت الابيض. الفكرة الاساسية المسيطرة على قناعة صانع القرار في واشنطن هي أن العرب محجوزون منذ مئات السنين وراء الغرب بسبب الثقافة والتراث القبلي، ورفع يد القمع عن هذه الثقافة كفيل بتحقيق الفوضى وإبعاد خطرها عن حياة الانسان الغربي.. وإن صيغة الثقافة العربية والاسلامية الظلامية إذا لم يتم حجزها داخل العالم العربي فسوف تندفع الى الخارج في موجة عنف موجهة الى الحضارة الغربية، فعليه لابد من تغيير مسار موجة العنف وتحويلها الى داخلها، ولا يتم ذلك إلا من خلال مزج المخاوف مع الاستعلاء والغرور في الحضارة الغربية، ففهم المخاوف يقول: إن الديمقراطية في العالم العربي سوف تضمن وصول الجماعات الاسلامية المتطرفة للحكم، أما الغرور فيرى أن تخلف العرب يجب أن يكون نتاجا عربيا خاصا في العالم العربي لا يسمح بتصديره للخارج، ومن هذا المزج صنع الغرب مايسمى اليوم الربيع العربي. فالعالم الغربي والامريكي على وجه الخصوص يقيم فهمه لحياة العرب وقضاياهم على اعتبارات الامل والخوف، وليس على قيمة المعلومات المؤكدة والتحليل العميق، فما نسمعه هذه الايام من تسريبات استخبارية مهولة وانفجارية، لا وزن لها في تقدير الواقع وفهمه، ولكنها مجرد استعراض للنفوذ والسيطرة المعلوماتية، للدخول في حرب المعلومات، وتسويق قوة واشنطن المعلوماتية، وقدرتها على السيطرة على الفضاء معلوماتياً بعد أن سيطرت عليه عسكريا. ما يهم اليوم ليست التقنية التي تسيّر المعلومات من خلالها ولكن مضمون المعلومات، وتحليل مضمونها يقول إن دعم إرادة الشعب، لا يعني احترام حقوقه، ولكنه يعني صناعة طغاة وعصابات حزبية تعيش على يد الغرب حتى لا يكون هناك استقرار في المنطقة..