«تجري الرياح بما لا تشتهي السُّفَنُ..».. وتيمنا بالشاعر القننَّاص لمسالك الطبيعة، وحركة مساراتها فإن الإنسان في كثير يشبه «الريح»..، وفي أُخر يشبه السّفن..فيكون كالحجر الصغير تجري به جداول الماء...، وكالتيار تركض به عزائمه... المشهد الحاضر بين عيوننا هذه الأيام هو «معرض الكتاب»..، وفي مضامينه جريان العزائم، وسلطة الرغبات كما «الريح»..، كما أن واقع المُراد من النشرِ كما «السّفن»..!! في الماضي، وإلى القريب منه لم يكن يجرؤ «المبتدئ الناشئ» على اقتحام ثغور الظهور إلا بعد جهد، وكسب، ودربة، وعثرات، ودموع..!! فكيف غدا يتسنم، ويستلم، ويعتلي المنابر ومنصات التواقيع، وأرفف «المبيع» منذ الولادة الأولى وصرخة الحياة....؟! كيف لكل مركب، وقارب،وزورق، و»فلوكة» صغيرة أن تتقدم إلى عرض البحر الكبير، وكالريح تسابق في أعماقه، دون مجاديف ..، ولا أطواق نجاة..؟! ألا يكون الأديب المبدع أديبا إلا بين غلافين..؟ !! وقد عجت الأغلفة باحتضان المفرغ، والغث،والهش..!! ومع ذلك فهي تظاهرة محفزة للآمال، ومحور تطلعات ندية لأن يتحقق وصولها، وثباتها في البحر الكبير المفتوح بكل عمقه،وسطوته، وقدرته على أن يبتلع أو يلفظ..، أو يتآلف بقدرة العزيمة، وجهد التحصيل،وحنكة الاكتساب لمهارات الترحل مع أمواجه، وعمقه،واتجاهاته،وتوحده، في ليل دامس،ونهار متوحش بوحدته..، فبحر الكتابة مؤونته ثمينة غالية من نظر العين، وزاد الفكر، ودربة المراس.. وهي أيضا تظاهرة خلطت، فجاءت المعطيات كما الذي يتجول في سوق الخضار،والفاكهة، وعليه أن ينتقي ما سيبقى..، وفي ذلك تكلفة وقت، وهدر صبر..كما أن فيه بعض الحصاد الذي ما أن تمسي عليه النهارات إلا يصبح في زوايا الإغفال..! وفي هذه التظاهرة جميل أن تكون هناك قدرة فائقة لدى ناشئة محترفي النشر ... إذ نجد فيها ذلك طموحا مكنتهم منه وسائل حديثة للطبع، والنشر، وأفسحت لهم طبيعة الموجة شاسع البحر، وساعدهم اتجاه الريح..، و لكن،سيكون من الأجمل من أجلهم أن تنشئ «وزارة الثقافة والإعلام» مركزا خاصا تتبنى فيه المواهب،.. وتدرب فيه الملكات..، وتحتضن فيه المهارات..، وذلك بتفريغ مجموعة من ذوي الخبرة يعينون على استقطابهم، ويعملون على احتوائهم، فيكون على بصيرة تمكنهم من أدوات التأليف، وتشرع لمواهبهم آفاق التحليق، ويتحقق بينهم التنافس الخلاق..، فيرتفع مستوى المنتَج الأدبي أفكاراً، ولغة، وفنية، وإبداعا.. وتصبح بذلك ثغور الضوء براقة بنجوم ذات قدرة على الثبات ..،والبقاء الأقوى. مع أننا في زمن لن تنطفئ فيه الغوغاء، ولن يُسمع لعذب الماء خريره...! فحتى النهر ابتلعه البحر..، بل فاض عليه طوفان البركان.. وفقد المتذوق جمال الإبداع، وعذوبة الكلمة تلك التي لا ينقب عنها بعينين، بل بإبرة ليجدها بين ركام من الغث..!!، جميلها الأقدم..، وظلُّها الذي أفضى على عرائشه الزمن، وأمضى...!!