كانت هافانا، أجمل مدن الأميركيين حتى منتصف الخمسينات، قد أصبحت مدينة خطرة عام 1957. ومن نافذة الفندق كان لويس يرى القصر الجمهوري الذي أحيط بالأسلاك منذ أشهر قليلة بعد مقتل 21 طالبًا حاولوا اقتحامه. مساء اليوم التالي لوصوله سمع أصوات تبادل الرصاص بين القصر وقناصة. ويذكر أنه شاهد، للمرة الأولى والأخيرة في حياته، شاهد جثة رجل تسقط أمامه على شرفة المبنى المجاور. كان باتيستا، رقيبًا في الجيش، عندما استولى على السلطة قبل 23 عامًا. وفي البداية اتخذ خطوات إصلاحية عدة، لكنه تحول شيئًا فشيئًا إلى ديكتاتور يحكم بقبضة من حديد، مدمرًا الحريات المدنية، ومتغاضيًا عن الفساد. فوجئ لويس بأن جميع الذين تحدث إليهم من معارف كاسترو، يؤكدون أنه ليس شيوعيًا ولا يعرف عن الشيوعية شيئًا. والذين صعدوا معه إلى الجبال أبناء طبقة وسطى وميسورة، يموّل حركتهم كبار مزارعي السكر. يتساءل لويس من أين أتى الأميركيون بالانطباع عن شيوعية كاسترو، التي سوف يتبناها فيما بعد بسبب مواقف الأميركيين منه. إنما كانت الولايات المتحدة تكرر خطأها التقليدي في أميركا اللاتينية، وهو أن كل من يحارب اليمين يتلقى تعليماته مباشرة من موسكو. تبين لنورمان لويس أن ثلاثة أرباع الكوبيين إما يؤيدون حركة كاسترو وإما لا يعارضونها. سوف أختصر رواية لويس لنصل مباشرة إلى لقائه مع همنغواي: «أذهلني منظره. كانت معالمه معالم رجل في السبعينات، مع أنه كان في الستين من العمر. وكان يتحرك ببطء، عاجزا عن حمل جسده الضخم. وكان وجهه باردًا ونظراته فارغة وحزينة، جعلتني ممتنًا للعافية التي أنا عليها مهما كانت».. «لقد كنت أنظر إليه مثل غيري، على أنه أعظم كتّاب القرن العشرين. لكن ها هو، بعد ثلاث سنوات على منحه نوبل للآداب، ها هو حطام يائس. هذا رجل نال كل ما سعى إليه، الشهرة والمال وكل شيء. لكن من الواضح أن ذئاب الضعف والصخب والوهن قد التهمته وأوقعته في فخّها». لكن صاحب «العجوز والبحر» سوف يتحدث في كل شيء إلا الثورة: «لقد تعبت من الثورات والحروب، وكل ما أريده هو الراحة وصيد السمك. لست أعرف شيئًا عن ثورة الجبال، لكن أنت، أنت ما لك ولهذه السترة الكاكية التي تشبه سترة العسكر؟ اذهب واخلعها. لن يفكروا طويلاً قبل أن يطلقوا النار. وإقامة طيبة وقصيرة في هافانا. أنا لم أعد أذهب إلى هناك».