×
محافظة حائل

صور تكشف ما بداخل الكعبة المشرفة من أعمدة وكتابات ونقوش

صورة الخبر

أعلن ناشطون مدنيون في السودان على وسائل التواصل عن دعوة لعصيان مدني. والعصيان ما دام قد سمَّى نفسه مدنياً فهو ذو شقَّين: الإضراب، والتظاهر في الشارع. وللسودانيين تجربة أو تجربتان في ذلك، الأُولى جرت عام 1965 وأسقطت نظام الجنرال إبراهيم عبود، والثانية جرت عام 1985، وأسقطت نظام الجنرال جعفر نميري. أمّا هذه المرة فكانت الاستجابة ضعيفة واقتصرت على إضرابات متفرقة، وما كانت هناك خرجاتٌ معتبرةٌ في الشارع، لذلك فإن السلطة اعتبرت الدعوة فاشلة. وقالت إن الأفضل منها بكثير مبادرة «الحوار الوطني» التي طرحتْها الحكومة، وحظيت بدعم بعض الأحزاب السياسية. كانت الأحزاب السودانية الكبرى مترددة إزاء دعوة العصيان الجديدة، وبخاصة أنّ قسماً منها شارك في الحوار الذي أصدر توصيات اعتبرها بعض المعارضين مفيدة، ويمكن المُضيُّ فيها. لكن العصيان المدني أو السلمي صار صعباً جداً بعد عام 2011، فالتظاهرات الحاشدة التي قابلتها السلطات بالقمع والعنف، ما لبثت أن تحولت إلى عصيانات مسلحة، وصار المعارضون المسلَّحون ميليشيات لا تحقق بحراكها أدنى المطالب. صحيحٌ أن بعض الأنظمة سقطت أو تغيَّر الرئيس، لكنّ الحراكات - باستثناء تونس- صارت ميليشيات، أو استلم زمام الدفة الإسلاميون الذين لا يريدون إقامة أنظمة مدنية، بل ما سمَّوه الدولة الإسلامية، وهذا الأمر جرى في سوريا والعراق وليبيا واليمن: ميليشيات مسلحة تريد الإمساك بزمام السلطة في الأوطان أو على أجزاء منها. لماذا حدث ذلك؟ في البدايات صار «الربيع العربي» أنموذجاً عالمياً، لكن الفوضى والسلاح وعنف السلطات، كل ذلك أحدث خوفاً شديداً لدى الناس، فصار التمسك بالسلطة القائمة أهون الشرين. وعلى وقْع ذلك، وخلال أقل من ثلاث سنوات، عاد العرب مضرب المثل في تشرذم المجتمعات، وتفكك الدول، وسواد العنف، والتدخلات الإقليمية والدولية. لقد انتقل الحال إذن من الخوف من الدولة إلى الخوف عليها، وصار الهمُّ مكافحة الإرهاب، واستعادة الهدوء بأثمانٍ غالية وهائلة كما في سوريا والعراق. وإذا كان هذان البلدان لا يصحُّ اعتبارهما نموذجاً لحالة العرب، لأن التدخلات الخارجية كثيفة، بما في ذلك التدخل الميليشياوي من سائر أصقاع الأرض، فإن حالة ليبيا لا يصح القول فيها إن التدخلات الخارجية هي التي أَوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن من فوضى واضطراب. هناك من يعيد السبب إلى هشاشة المجتمعات، باعتبارها لا تستطيع مواجهة تحديات الانقسام في المدى المتوسط والطويل، وهناك من يعيد السبب إلى العقود الخمسة أو الستة الماضية، والتي تحولت فيها السلطات إلى سلطات خالدة، أقوى من المجتمعات وحراكاتها، لكن الأمر مشترك بين السلطات والمجتمعات. السلطات الأمنية والعسكرية في بلدان الاضطراب لا تقبل أي تغيير وانفتاح. والبنى المدنية للمجتمعات لا تتحمل التظاهر المتحول إلى فوضى في المدى المتوسط، فكيف بالطويل، وهذا الأمر ليس ناجماً عن هشاشة المجتمعات، بل لأن السياسة والعمل السياسي المدني غاب عن تلك البلدان منذ عقود طويلة، وهذا يعني أنه ليست هناك مسارب ونوافذ سلمية لإرادات الخلاص من الاستبداد، لأن المؤسسات والجهات المدنية في تلك البلدان تحطمت جميعاً أو تعطلت على أمداء طويلة، ولذا فإنه بعد الضربة الأولى يحصل العنف ويستشري، وسواء أكان فعلاً أم ردّ فعل. ما العمل إذن، وكيف يمكن استعادة اللحمة، وإجراء التغيير من دون دماء؟ إنّ الأوضاع مقفلة الآن، وليس بسبب فشل النموذج في سوريا والعراق واليمن وليبيا فقط، بل ولأن الناس تعبوا، وتهدَّد نظام حياتهم، وهذا فضلاً على أن ملايين المدنيين تهجروا وفقدوا مساكنهم وأوطانهم. هل يكون الحل بعودة العسكر إلى السلطة لتخفيف الخسائر والحفاظ على تماسُك البلاد؟ إن هذا يتوقف على ما عملته وتعمله السلطات العائدة، وهل تكون أفضل من السابق، وهل فهمت الدرس وانصرفت لإجراء تغييرات تدريجية، تخفّف عن كواهل الناس؟ حتى الآن لا يبدو شيء من ذلك في الأُفق، لذا فالقبضة الحديدية المتجددة، توشك أن تدفع فئات اجتماعية واسعة إلى التمرد أو العنف من جديد، وبذلك تستمر محنة الغربة بين الدولة ومجتمعها في أنحاء شاسعة من الوطن العربي. *أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية - بيروت