×
محافظة مكة المكرمة

عام / تعليم المخواة يجرى المقابلات الشخصية لـ 123 مرشحة للوظائف التعليمية

صورة الخبر

لا أحد ترك مشاهدة التلفزيون احتجاجا على ما يبث فيه، ربما ننفعل إزاء ما نشاهده ونعلق بأسلوب بعيد عن الكياسة، بينما غضبنا يخفت بعد ساعات ونتناسى رفضنا، لنعود ونعتبره الجزء الذي لا يمكن التخلي عنه في المنزل. العربكرم نعمة [نُشرفي2016/11/19، العدد: 10460، ص(18)] كانت عطلة نهاية الأسبوع الماضي في لندن أشبه بتحويل المنازل إلى صناديق من دون أبواب، الغالبية العظمى من السكان لم يغادروا منازلهم مضطرّين، كان الطقس عنيدا إلى درجة لم يتوقف المطر عن النزول، إلّا بعد أن فقد الناس الرغبة في الخروج من منازلهم. الخروج من المنزل الخيار المفضل، ليس لأنه صحيّ ومنقذ من الوهن والضجر والارتخاء والرتابة وإنعاش الرئتين وإراحة النظر، بل لأنه الخيار الأهمّ لترك مشاهدة التلفزيون! عندما تزيد فترة المشاهدة عن الوقت الطبيعي، فإن المشاعر تتلبّد وتفقد القدرة على التمييز والنقد المقبول، ويصبح التلفزيون أداة مسببة للضجر والملل. لكن من حسن حظ التلفزيون نفسه، “ومتى لم يكن محظوظا!”، أن الطقس كان رماديا وممطرا في عطلة نهاية الأسبوع لذلك أُرغم سكان لندن على البقاء في منازلهم، فحظي برنامج مسابقات عن الرقص في “بي بي سي1” على معدل مشاهدات وصل إلى 10.8 مليون مشاهد، متخطيا في ذلك الأرقام المعلنة عن برامج أخرى. لم يكن هذا البرنامج وحده محظوظا، لكن التلفزيون برمّته، وسواء اتفقنا مع ذلك أم لا، فإن هذا الأمر يفترض شيئين حسب ديفيد سيليتو، مراسل شؤون الإعلام في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، الأول؛ هو أن لصناعة الأخبار هدفا أخلاقيا، والثاني؛ هو أن التلفزيون لا يزال وسيلة الإعلام الأكثر فاعلية. “وأيّا كان رأيك من وجهة النظر الأولى، فإن وجهة النظر الثانية هي أكثر وجاهة مما حاول المروّجون الرقميون إقناعك به”. إذن لا خيار أفضل أمام الجمهور غير التلفزيون؛ يتحدّث الكثيرون عن بلادة وسخافة ما يقدّم فيه، ويستعرضون حسّهم النقدي أمام الآخرين، لكنهم في النهاية يعودون إلى مشاهدته. لماذا؟ لأنه ببساطة متناهية الجهاز الذي لا يخلو أيّ بيت أو كوخ أو خيمة منه! أما ماذا يقدّم فيه من فائدة أو هراء، فهذا ما يمكن التحدث عنه، من دون التخلي عن خيار مشاهدته. لا أحد ترك مشاهدة التلفزيون احتجاجا على ما يبث فيه، ربما ننفعل إزاء ما نشاهده ونعلق بأسلوب بعيد عن الكياسة، نصرخ بوجه شاشته، وقد يصل الأمر أن نوجّه له لكمة في الهواء، لكنه يبقى صبورا لا ينقطع صوته، بينما غضبنا يخفت بعد ساعات ونتناسى رفضنا، لنعود ونعتبره الجزء الذي لا يمكن التخلي عنه في المنزل. تكفي العودة إلى أرقام سلطة الترخيص الخاصة بالأجهزة التلفزيونية بالمنازل البريطانية، التي ذكرت أن أكثر من 13 ألفا من البريطانيين لا يزالون يستخدمون أجهزة الأبيض والأسود! في إشارة إلى انعدام فرصة التخلي عن هذا الجهاز من المنازل. فقد أصبح جهازا متفاعلا ووسيلة التواصل الأهمّ بين الدول والمؤسسات والمصالح التجارية، لكنه اختلف بفقدانه المركزية التي اعتمد عليها في عقود عبر اعتماد تقنية البث الرقمي، وتمكنت الشركات من افتتاح مئات القنوات بشكل البث الأرضي الرقمي أو الفضائي. واكتسب صفة أخرى بعد أن تحوّل إلى نافذة من نوافذ إطلالة الإنترنت على المنزل، وصار أكثر تفاعلية من خلال توظيف خطوط الإنترنت الرقمية السريعة. كما أصبح شكل التلفزيون أشبه بمرآة مسطحة، وتوشك الأجهزة المستطيلة والمربعة أن تنقرض من السوق، ولم يعد يقتصر دوره على استلام بث المحطات، بل أضحى جهازا للاتصال الرقمي والفيديوي. لم يدخل التلفزيون في سوق الصحافة المريضة، حيث تكيّفت صناعته مع العصر الإخباري المتسارع في نقل الأحداث بنفس لحظة وقوعها، وبقي محتفظا بمصادره الإعلانية، مثلما ابتكر أساليب رائعة في الصناعة التلفزيونية وأقترب أكثر ممّا كان متوقعا من حياة الناس وطبيعتهم، وجسد فعالياتهم ومشكلاتهم أكثر مما كان متاحا له قبل عقود. لم يتراجع التلفزيون مطلقا مثل بعض وسائل الإعلام الأخرى، ولم يتأزم مثلما تأزمت الصحافة، لكنه مثل أيّ صناعة أخرى تقدّم المحتوى الرديء والمتميز. مع ذلك على الذين يظهرون على شاشته ألّا يتوقعوا أنهم معروفون لكل الناس، مثلما كان يحصل مع نجوم عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. ما يتم إنتاجه من برامج وما يظهر على الشاشة اليوم أكبر بكثير من قدرة المشاهد وحاجته، وليس من السهولة بمكان أن يكون نجم شاشة تلفزيون ما معروفا لدى جمهور بلد آخر، وهذه فرصة لأن يعود مقدّمو البرامج والمحاورون للتراجع قليلا عن وهم قديم بالشهرة؛ التلفزيون اليوم ليس مصدر شهرة مطلقة، فالخيارات الهائلة التي يقدّمها للجمهور سلبت من نجوم التلفزيون الشهرة المطلقة. كاتب عراقي مقيم في لندن كرم نعمة :: مقالات أخرى لـ كرم نعمة هل نملك خيار ترك مشاهدة التلفزيون, 2016/11/19 لم أعد أعرفهم!, 2016/11/14 الإعلام الخاسر الساخط, 2016/11/12 أين ذهب وجه رينيه؟, 2016/11/07 سيرفرات غوغل أكثر سعة من رفوف التاريخ, 2016/11/05 أرشيف الكاتب