شكلت واقعة القتل الفاجع للنائبة في البرلمان البريطاني جو كوكس، انعطافة مأساوية لحالة الاستقطاب الحاد والهستيريا التي صاحبت حملات التأييد والمعارضة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهي حملات وصفها مراقبون منذ وقت مبكر بأنها كاذبة وأنانية وتفتقر للتهذيب وتستبطن المصلحة السياسية للأطراف الضالعة في المنافسة. ويتشارك قادة الفريقين المؤيد والمعارض المسؤولية في الوصول بالأمور إلى هذه النتيجة المحزنة ، بسبب قيامهما معاً بتأجيج الأجواء بشأن قضية كان يمكن معالجتها بشكل مختلف ووسط مناخ أقل عدائية ولا يفسح المجال أمام تفجر العنف الذي أدت بوادره الخميس، إلى كشف النقاب عن احتمالات أشد فظاعة فيما لو تواصلت الحملات على نهجها قبل حادث إطلاق النار على النائبة كوكس. ويقول مراقبون وخبراء إن رئيس الوزراء البريطاني كاميرون الذي يقود حملة التأييد للبقاء في الاتحاد الأوروبي ، حوّل القضية إلى مسألة حياة أو موت، وأنه بنى حملته الدعائية على تخويف وإرهاب الناخبين من مغبة التصويت لصالح الخروج من الاتحاد. وكأن في مغادرة بريطانيا أسوار التكتل الأوروبي نهاية لتاريخ هذه الدولة ومستقبل شعبها. وقالوا أيضا إنه أثار هلع الناخبين عندما أسس حملته على جملة أكاذيب حول تراجع مستوى النمو والاستثمارات الخارجية والنفقات الاجتماعية ومستويات البطالة في حال مغادرتها. افتراضات كاميرون ناقضها وزير العدل في حكومته مايكل جوف، الذي نفى تعرض اقتصاد بريطانيا للكساد، واتهم رئيس الوزراء بخداع الرأي العام ، وقال إن مصداقيته باتت على المحك، كما سخر من إصراره على أن تركيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، واصفاً ذلك بأنه الأحدث في سلسلة من الأكاذيب بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي. في حين قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن كاميرون دعا إلى تنظيم الاستفتاء بهدف ابتزاز أوروبا أو تخويفها. وبالمقابل يشير المراقبون أيضا إلى أن فريق المعارضين للبقاء في الاتحاد قادوا حملة دوافعها أنانية محضة ولا علاقة لها بالمصالح العليا للدولة والشعب، وارتكزت بشكل أساسي على رفض قبول المهاجرين. وفي خضم الحملة المحمومة كشف زعيم التيار المعارض للبقاء نايجل فاراج عن لافتة إعلانية يبدو فيها طابور هائل من المهاجرين ، طبع فوقه شعار نقطة الانهيار. واعتبرت اللافتة مثيرة للاشمئزاز حتى في صفوف المعسكر المؤيد للخروج. ولا شك أن مقتل النائبة كوكس أجبر قادة التيارين على إعادة قراءة الخريطة ومراجعة مواقفهما ، ويبقى أن ما ستكون عليه بريطانيا في الأعوام القادمة هو ما سيقرره الناخبون بإرادتهم الحرة بعد يومين. فيصل عابدون shiraz982003@yahoo.com