كثيرة هي المقالات التي تناولت ظاهرة التطرف التي يمثلها اليوم على نحو خاص تنظيم الدولة الإسلامية، لكن المقال الذي نشرته مجلة فورين أفيرز الأميركية يتميز عن غيره بتناوله العميق للمشكلة واستقراء التاريخ لسبر أغوارها. ففي مقاله تحت عنوان "عولمة الغضب.. لماذا يبدو التطرف اليوم مألوفاً؟"، كتب بانكاج ميشرا يقول إن الغرب تناسى أنه هو الذي أفرز أيديولوجيات مماثلة تماما لتلك التي برزت في مناطق أخرى من العالم، وذلك رغم أن فلاسفة التنوير الأوروبيين هم من صاغوا مبادئ العلمانية التي تسود العالم الحديث. وقال إن هذا "النسيان الجماعي" تجلى عقب هجمات11 سبتمبر/أيلول 2001في الخطاب الغربي بشأن الإرهاب كظاهرة لم تقتصر على الإسلام وحده، بل استخدمته الشعوب من جميع الديانات والأطياف منذ الثورات الأوروبية والروسية وكذا الفوضويون في أواخر القرن التاسع عشر. وانطلق الكاتب في عرض أفكاره من نماذج تاريخية مستشهدا بالحركة التي أسسها الشاعر الإيطالي غابرييل دانونزيو في سبتمبر/أيلول 1919 حيث حشد زهاء ألفي جندي متمرد ومئات المتطوعين ليضم مدينة فيومي إلى الدولة الإيطالية. وضرب مثلا بالجنرال الفرنسي جورج بولانجي الذي استغل في ثمانينيات القرن التاسع عشر السخط الشعبي من الفضائح والنكسات الاقتصادية والهزائم العسكرية، حتى بات قريبا من الاستيلاء على السلطة في بلاده. " العولمة أفرزت فاعلين دوليين جددا انتهزوا حالة الاستلاب والإقصاء والأحلام المجهضة التي صبغت المزاج السياسي في العديد من مناطق العالم. وقد استغل تنظيم الدولةتلك التغيرات "بدهاء مراوغ" تمثل في تحويل الإنترنت لوسيلة دعائية "فتاكة" للجهاد العالمي " العولمة والسلطة التقليدية ورأى ميشرا -وهو كاتب وروائي هندي- أن تنظيم الدولة ومتطرفي اليوم الآخرين "نتاج عصرهم وبيئاتهم لكنهم يقتفون آثار من سبقوهم من الغربيين" الذين عاشوا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. إن تنظيم الدولةيمثل -بنظر كاتب المقال- في أبهى صوره نقيضا لنظريات الحداثة الليبرالية، لكنه يُعد أحد المنتفعين الكُثر من التمرد بأشكاله الفردية والجماعية الذي تفشت مظاهره في جميع أرجاء المعمورة. ومع أن التنظيم لن يتمكن على الأرجح من البقاء على قيد الحياة طويلا، فإن آخرين سيسيرون على نهجه. وقالالكاتب إن ثمة تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية شهدها العالم في العقود الأخيرة متمثلة في النمو الاقتصادي السريع للعديد من دول العالم، وظهور الدول القومية في أرجاء واسعة من أفريقيا وآسيا وأوروبا (الاتحاد الأوروبي مثالا)، وإرساء السلام في أيرلندا الشمالية، ونهاية حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. غير أن وراء تلك التحولات تكمن حقيقة مفادها أن العولمة -بتجلياتها المنعكسة بحركة البشر ورأس المال والأفكار والتي عجَّل بها التطور السريع في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات- أضعفت الأشكال التقليدية للسلطة بدءاً بالديمقراطيات الاجتماعية في أوروبا وحتى الدول "الاستبدادية" في العالم العربي. كما أن العولمة أفرزت فاعلين دوليين جددا انتهزوا حالة الاستلاب والإقصاء والأحلام المجهضة التي صبغت المزاج السياسي في العديد من مناطق العالم. وقد استغل تنظيم الدولةتلك التغيرات "بدهاء مراوغ" تمثل في تحويل الإنترنت إلى وسيلة دعائية "فتاكة" للجهاد العالمي. وبحسب الكاتب ميشرا، فإن "زعماء الدهماء بكل أصنافهم -من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إلى الزعيمة اليمينية الفرنسية مارين لوبان، إلى الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، وحتى (الرئيس الأميركي المنتخب) دونالد ترامب- جميعهم استغلوا حالة السخط المكبوت". وخلص المقال إلى أن الديماغوجيين (الدهماء) ما زالوا يبرزون إلى الوجود في الغرب وخارجه في وقت يصطدم فيه الوعد بالرخاء مع تناقضات الثروة والسلطة والتعليم.