×
محافظة المنطقة الشرقية

الشمراني يغادر مع بعثة الهلال للأحساء

صورة الخبر

تظل الأسئلة الموجهة للأحزاب الدينية “السياسية” هي الأقسى في أي حراك يحمل شعارات التحول “الديمقراطي”, ليس في العالم العربي فقط، بل وفي “العالم الأول” في حقب زمنية سابقة. هبّ “الربيع العربي” على منطقة الشرق الأوسط وسارعت الأحزاب الإسلامية إلى حصاد ثماره بعدما ترددت في الإسهام في بذرته الأولى. ثلاث سنوات مرت سريعاً وعصيبة على شعوب المنطقة وعلى أحزاب دينية مسيسة أبرزها جماعة الإخوان المسلمين, انتهت بتصنيفهم جماعة إرهابية في مصر, البلد “الأم” للجماعة. بينما كان “الحركيون الإسلاميون” في العالم العربي يتبنون “مظلوميات” جماعة “الإخوان المسلمين” ويشيعون أنها حرب على “الإسلام”, كان حزب النور “السلفي” المصري الذي لم يكن في حسابات البعض, يُظهر مرونة عالية في فهم السياق والمزاج السياسي الشعبي العام, بل يكسب مواقع في مصر “الجديدة”، ويختار معاركه بعناية ملحوظة للمراقبين، تخوّله التقدم في مسرح الكراسي السياسية. في هذه المساحة نستضيف نادر بكار، مساعد رئيس حزب النور “السلفي” لشؤون الإعلام, الشاب الملتحي الذي يخرج في مقابلاته التلفزيونية مرتدياً ربطات عنق أنيقة, وتَظهر أحاديثه متشبعة بمفردات وتنظيرات سياسية غير معتادة من حزب ديني تقليدي. في محاولة لفهم تصورات الأحزاب الدينية السياسية في المنطقة التي هي ركيزة أساسية للباحثين والنخب الحاكمة وحتى أحزاب المعارضة العلمانية, توجهت “الاقتصادية السياسية” بمجموعة من الاستفسارات والتساؤلات لبكار الذي ألقى إضاءات لافتة في إجاباته ليس على مستوى السنوات الثلاث الماضية, بل في الرؤية التي يتبناها حزبه السياسي “الديني” في المستقبل. أعضاء حزب النور السلفي أثناء تأييدهم التصويت بـ " نعم" للدستور قبل أيام."الاقتصادية" أبديت تذمرك من حركيي “السرورية” الذين يطلق عليهم في الإعلام السعودي كإصطلاح إجرائي (الصحويون)، وكذلك من “إخوان” السعودية والخليج .. بماذا أضر صحويو وإخوان السعودية والخليج الحركة السياسية “التصحيحية” في مصر اليوم؟ الحق أننا في مرحلة نحتاج فيها إلى مراجعة كثير من المصطلحات من ناحية دلالتها وتأثيرها؛ ومنها مصطلح الصحويين هذا؛ لذا فقد فضلت أن أشير إليهم بما أراه نسبة صحيحة إلى شخص بعينه (د. سرور) وإلى فئة بعينها (الإخوان) ليس من باب التنابز بالألقاب قدر ما هو إصرار على الرد إلى الأصل. أرى أن الشعب المصري كانت أمامه فرصة نادرة لتصحيح كثير من الأوضاع السياسية والاقتصادية، بل الاجتماعية، التي وصلت إلى حالة مزرية قبل ثورة يناير؛ لكنها فلتت من بين أيدينا - ولو بصورة مؤقتة، بسبب انشغالنا بكثير من المعارك الجانبية التي شرذمت وحدتنا وبعثرت تماسكنا. ومع الأسف، أحد أهم العوامل التي أضاعت هذه الفرصة حالة الجشع المصحوب بالكبر والعناد التي تملكت فصيل الإخوان في مصر؛ فاعتقدوا أنهم دولة قائمة بذاتها داخل الدولة؛ لا جماعة دعوية أو حتى سياسية منظمة؛ كانوا أشبه بعائلة واحدة لا ترى أحدا ًيستحق التعاون معه أو التواصل خارج إطارها. لم يكن للسروريين تأثير كبير في مصر سوى من خلال تبرير أخطاء نظام الإخوان والتأول لهم على مدار عامين كاملين.. ولقد أجاد الإخوان التدثر بالرداء السلفي (السروري) محاولين ابتلاع كل أطياف العمل الإسلامي في مصر, فأنشأوا ما يُسمى “الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح” لتعطي الغطاء السلفي لكل توجهات وتحركات الإخوان. الخطير في الأمر أن “السروريين” أضفوا المسحة السلفية أو قل الشرعية على الاتجاه القطبي الإخواني تحديداً؛ فساهموا في تمزيق المجتمع وتصنيفه على الميول السياسية إلى موال ٍللإخوان يُقرب مهما كان انتماؤه، ومعارض لهم هو منافق عميل خائن لا يحب المشروع الإسلامي، بل يعاديه. لنعُد إلى الداخل المصري, مجاميع الثوريين الشباب (اليسارين) مثل 6 أبريل, رغم كل ما فعله الإخوان إبان إدارتهم للحكم إلا أنهم أكثر تقارباً معهم وأقل حدة في نقدهم, بينما أنتم في حزب النور تُنتقدون من قبلهم دائماً على مواقفكم الفقهية والاجتماعية ويتم التغافل بوضوح (للمراقب) عن مواقفكم السياسية الحداثية والعصرية؟ صدق ذلك أو لا تصدقه؛ الإخوان يتضررون من منهج حزب النور أكثر بكثير جدا ًمن تضررهم من أي منهج ٍآخر؛ وما ذلك إلا لأن النور قد أفسد على الإخوان 80 عاما ً كاملة من ادعاء أن الإسلام هو الإخوان؛ وأن من أراد الشريعة تطبيقا في كل مناحي الحياة فليقصد الإخوان وإلا فلا. الإخوان يتلونون في كل مكان بلونه؛ عندكم في المملكة السعودية يتحدثون بلسان السلفيين، أما في مصر فكانوا يخوّفون الناس من السلفيين. أزعم أن حزب النور أعطى انطباعاً للمصريين أنه يحاول الحفاظ على الشريعة لا الوصاية على الناس؛ ويحاول أن يساعد على الإصلاح وإن أتى من غير طريقه؛ وهذا ما أتعب الإخوان كثيرا؛ لأن تقسيم المجتمع واحتكار الدين وإجبار كل متدين على النظر بمنظارهم كل ذلك قد أفسده حزب النور عليهم. لذا فلم يكن في مصلحة الإخوان أبدا من وجهة نظرهم أن يقبلوا بأي نصح نسديه لهم؛ أو أي مبادرة سياسية نتقدم بها تلقى رواجاً عند سائر التيارات، ولا تلقى منهم إلا صدودا ًثم تشنيعا ًعلينا ورمينا بأبشع الأوصاف، كما كان الحال إبان مبادرتنا الشهيرة لحل الموقف السياسي المتأزم في كانون الثاني (يناير) الماضي. لكن دعني أوضح لك شيئاً؛ حزب النور يحاول أن يحافظ على ارتباط الأصالة بالمعاصرة؛ وهو ما أفاده كثيرا ًفي حسابات المصالح والمفاسد بعيدا ًعن براجماتية نفعية أو جمود مذموم. خلال السنوات الثلاث التي تلت "الثورة" المصرية، وعند تحرك أحداث سيناء أطلق الإخوان أكثر من مبادرة لاحتواء هذا الحراك المسلح من قبل الجماعات الجهادية من خلال قنواتهم الرسمية والخاصة, اللافت أنكم كحزب سلفي أقرب لأدبيات المرجعية الدينية - لهذه الجماعات, لم تطلقوا أي مبادرة احتواء لها، هل هو وعي مبكر من قبلكم لفصل السلفية العلمية عن السلفية الجهادية في السياسة؟ دعني أوضح لك شيئا مهما هنا؛ الإسلام بالنسبة إلينا شامل لا يتجزأ؛ فيه سياسة واقتصاد وجهاد وعلم إلى آخره. الأمر الثاني لسنا حزبا سلفيا يمنع الآخرين من الانضمام إليه، بل حزب سياسي يرجع في الكليات والأصول والعقيدة إلى الشريعة الإسلامية؛ لكنه ليس مقصورا على أشخاصٍ بأعينهم؛ فالحزب أثبت عملياً أنه لكل المصريين؛ ولعل في هذا إضافة إلى الرصيد الدعوي الذي ينطلق منه أبناء الحزب المؤسسين. نأتي لموضوع سيناء؛ دعنا نسمي من جديد الأشياء بأسمائها الحقيقية؛ فالترويع والإرهاب وضرب مقدرات الدولة ليس جهادا يا أخي.. وكثير من الذين انتهجوا منهج العنف لم يجدوا من يوجههم فكريا ًوينقح آراءهم ويناقشهم الحجة بالحجة، كما فعل عبد الله بن عباس مع الخوارج من قبل. لذا فلعلي أفاجئك، حينما أخبرك أن حزب النور كانت له مبادرة شاملة للإصلاح؛ وانتبه معي للإصلاح لا للاحتواء فقط؛ على ثلاثة محاور: الفكري والاقتصادي والأمني، وهذا المحور الأخير كان يتم بالتنسيق مع القوات المسلحة في شهر آب (أغسطس) من عام 2012 بعد حادث رفح الشهير، حتى بوغتنا أن التوجيه الصادر من الرئاسة وقتها كان بإيقاف هذا الجهد تماماً. رأيي أن الإخوان كانوا يحاولون الاستفادة من وضع ٍقائم لا إصلاحه، وهو ما يتعارض تماماً مع بعد الأمن القومي المصري، الذي هو في الحقيقة أمنٌ للمنطقة العربية كلها، والعبث به كان من أكبر المسامير التي دُقت في نعش دولة الإخوان. حتمية الارتباط الثنائي (الافتراضي) بين "الديني" و"السياسي" تجاوزتها الأحزاب الأوروبية الدينية، هل يستطيع حزب النور الوصول إلى هذه المرحلة والذهاب بعيداً في التطور السياسي لهذه الدرجة؟ ما رأيك أن أقترح عليك معادلة أخرى قد تحل الإشكالية؟ مشكلتنا (فيما يُسمى التيار الإسلامي) هي في إضفاء قدسية الشريعة الإسلامية على آراء الأفراد سياسيةً كانت أو اقتصادية، ومن هنا يأتي الخطر. لو استطعنا الوصول إلى صيغة مشتركة بين النور وبين التيارات الأخرى المتصالحة مع مرجعية الإسلام بشكل عام في كل القضايا الشائكة، فسنحقق طفرة هائلة ليس على صعيد الحزب فقط، إنما ستكون تجربة تحتذى للآخرين أيضا. قدمتم حزمة من التنازلات اللافتة في تجربتكم السياسية، ولكنكم لم تظهروا حيوية اجتهادية مماثلة في الجانبين الفقهي والاجتماعي على المستوى المصري .. لماذا؟ ليست تنازلات صدقني، لكنها تضحية بمكاسب سياسية دنيوية كانت تقف عقبة أمام وطن ٍبأكمله، نحن أخي الكريم مع خيار الحفاظ على الدولة المصرية، الحفاظ على مؤسساتها، والإصلاح التدريجي الممنهج في حزب النور لا في السر والخفاء. من الناحية الاجتماعية سأخالفك أيضا، بل الحق أننا منصهرون مع جموع الشعب المصري بصورة شبه كاملة أو على الأقل مع طيفه الأكبر مسلمين ومسيحيين. وأتفق معك بمنتهى الصراحة عن حاجتنا الماسة إلى اجتهاد جماعي في بعض المسائل التي سبق الاجتهاد فيها، لكنه يحتاج إلى إعادة نظر لتقديم فقه إدارة الدولة جنبا إلى جنب مع إدارة الدعوة. لكن لاحظ أن تنظيرنا الفقهي المنضبط في الكليات هو الذي أسعفنا في وقت تعثرت فيه أقدام الآخرين في مزالق التكفير والتفسيق والتبديع. حسناً .. لكن رأى بعض المتابعين والباحثين أن وقود "رابعة" البشري كان من القاعدة الشعبية "السلفية" لحزب النور, هل حقاً هناك انفصال حالي بين حزبكم السياسي وقواعدكم الشعبية, وإلى أي مدى ترى ذلك عائقاً لتقدمكم على الخريطة السياسية المصرية إذا اتفقت مع آراء الباحثين بالطبع؟ مع الأسف، المتابعون الذين أشرت لهم غير قادرين على التمييز بين شخص ٍملتح وآخر ينتمي لحزب النور، كثرة اللحى في رابعة لا تحكم بتوجه، لا تعلم إن كان تكفيرياً سلفياً إخوانيا، مع ملاحظة أن الإخوان في مراحل استدعاء الشريعة إلى حلبات الصراع يطلقون لحاهم ويحرصون على السمت السلفي أكثر من غيرهم. كل قرارٍ سياسي عقلاني بعيد عن العاطفة كان يكلفنا بلا شك، لكني أؤكد لك أن أكثر من 90 في المائة من قواعدنا مع قراراتنا قلباً وقالبا، ولعل هذا ما ظهر في حجم المؤتمرات التي عقدها حزب النور في فترة وجيزة استعدادا للاستفتاء على الدستور بلغت 48 مؤتمرا في الوقت الذي تلهث فيه باقي الأحزاب والحركات لتقيم بالكاد مؤتمراً واحداً. على أية حال قواعدنا ليست نعاجاً تُساق خلف القرارات بلا مناقشة أو اقتناع، عندنا انضباط حزبي, نعم لكنه ليس بيعة ينفذ الناس فيها الأوامر دون مراجعة أو مناقشة.