الممارسة الدبلوماسية قديمة قِدم التاريخ، وقبل معرفة المصطلح (اليوناني) ففي المجتمعات البدائية كانت القبائل المتصارعة تُرسل المبعوثين للتواصل مع الأعداء والأصدقاء، وقد عرفت الحضارات القديمة في الصين والهند ومصر والعراق والشام والجزيرة العربية الممارسة الدبلوماسية ومنها تبادل التهاني والهدايا، كنوع من الدبلوماسية، وهذا ما ذكره القرآن الكريم في قصة ملكة اليمن وسيدنا سليمان - عليه السلام-، فالملكة بلقيس جربت استخدام (دبلوماسية الهدايا)، حيث قال عز وجل عن الملكة بلقيس «وإني مُرسلة إليهم بهدية فناظرة بِم يرجع المرسلون» لتنتهى القصة بإيمان الملكة ثم زواجها.. وبعد أن استقر النبي- صلى الله عليه وسلم -في المدينة المنورة وكوّن الدولة الإسلامية، قام بمكاتبة الملوك والأمراء داخل الجزيرة العربية وخارجها، فأرسل السفراء لملك الحبشة، والمقوقس مصر، ولقيصر الروم، ولأمير البحرين ولملك عُمان... كما كتب إلى كسرى ملك الفرس كتابا حمله إليه الصحابي السفير عبدالله السهمي (وكان هو الوحيد من الملوك الذي اساء استقبال السفير النبوي ومزق الكتاب المُرسل وكان ذلك بداية تمزق ملكه). مارست الدول والممالك الإسلامية الدبلوماسية طوال العهد الأموي والعباسي والسلجوقي والعثماني، وساهم المسلمون في تأصيل الدبلوماسية كعلم وفن وممارسة ومع تطور العمل الدبلوماسي تشكلت القواعد الدبلوماسية، وتأصلت عبر المعاهدات الدولية، خاصة بعد أن نجح المؤتمرون في إقرار معاهدة (وستفاليا) عام 1648، وهي التى أسست بذور مبادئ العلاقات الدولية بين الدول القومية ذات السيادة، مع السعي لتحقيق مصلحتها القومية، وفق مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، وقد ارتبطت العلاقات الدولية بهذا المبدأ لحقب طويلة ونص عليه بوضوح ميثاق الأمم المتحدة منذ نشأتها في عام 1945. تلا ذلك «مؤتمر فينا» في عام 1815م وهو الذي طور قواعد العمل الدبلوماسي بين الدول، ووضع لائحة درجات الممثلين الدبلوماسيين، ووضح الكثير من قواعد العادات والتقاليد، ثم جاءت «اتفاقيتا فينا» عام 1961م و1963 لتؤسسا ما يشبه القانون الدبلوماسي ولتكرسا الملامح العامة للدبلوماسية المعاصرة، حيث بدأت العديد من الدول في إنشاء المعاهد الدبلوماسية والكليات المتخصصة؛ لتدريس علم الدبلوماسية (وهو الذي يدرس إدارة العلاقات الرسمية بين أشخاص القانون الدولي العام)، والمهارات الدبلوماسية، واللغات الأجنبية، والمراسم (وهو العلم أو الفن الذي تتنازعه علوم الدبلوماسية والعلاقات العامة والإدارة). استفادت الدبلوماسية كثيرا من تطورات التكنولوجيا المعاصرة وخاصة فيما يخص سرعة المواصلات والاتصالات الإلكترونية، حيث سهلت هذه التطورات على رؤساء الدول ووزراء الخارجية القيام بالمهام الدبلوماسية مباشرة عن طريق حضور المحادثات الدولية والمؤتمرات السياسية والعودة إلى عواصمهم في غضون ساعات كما أكثر الرؤساء من استخدام وسائل التكنولوجيا للتواصل بينهم ومنها الهاتف وحتى التخاطب علنا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والترحيب في بعضهم البعض أثناء الزيارات الرسمية. الأسبوع الماضي وفي غمرة متابعة تغطية المهنئين للرئيس اللبناني ميشال عون، بمناسبة انتخابه رئيسا للبنان، تساءل الأكاديمي الإماراتي د. عبدالخالق عبدالله عن طبيعة (دبلوماسية الهاتف)، والحقيقة أن التهنئة عبر الهاتف كما هي عبر صفحة التواصل الاجتماعي (توتير) تمثل إحدى عمليات التحول الجديد في الأساليب الدبلوماسية في نقل التهاني التقليدية، مع اتفاق خبراء الدبلوماسية على (أن المضمون لا يتغير وما يتغير هو الأسلوب) ولكن تظل هذه المراسم محكومة بقواعد وإجراءات وتقاليد وأعراف. درجة الصداقة الثنائية والشخصية تُحدد في كل تهنئة الأسبقية وعدد وطبيعة الكلمات المنقولة والتى يرسلها زعيم الدولة عبر برقية أو يقوم شخصيا باتصال هاتفي. وكما يقول (إلموند). فكل شيء في عالم السياسة اتصال.. وللمقال صلة.