يكتسب فعل القراءة أهميته في حياتنا الفردية والجماعية، من خلال أهميته كفاعل في طرد شبح الجهل عن مراتع ذاكراتنا، ومن ثم الزج بنا في دهاليز المعرفة على تعددها، ومجابهة العالم ومتغيراته: فكرية كانت أم سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، ويكون الحاصل حينئذ تحصيل حاصل، لكن هل نحن شعب قارئ؟. بالعودة إلى الأرقام والنسب الإحصائية المقدمة من قبل المنظمات الإحصائية المعنية من جهة، واستناداً إلى المعيش اليومي، نجد أنفسنا أمام جواب متشح بالنفي، بمعنى أننا أمة لا تقرأ، رغم أن نبينا المصطفى الأمين واجه استعصاء فعل القراءة، وهو المفتقر إليه قبل نزول الوحي عليه، بروح تواقة إلى التحرر من وضع مظلم جلاَّهُ الجهل والأمية، إلى وضع آخر متحرر يمحوه فعل (اقرأ) الذي دثر مستهل سورة العلق القرآنية، ومتحصَّل الوضعية المقلقة التي تعيشها أمتنا العربية ناجم عن أسباب متعددة متداخلة فيما بينها ومتشابكة، رغم تقدم الأمة في مناحي الحياة الاجتماعية، وتوفر خدمات الإنترنت المختلفة، والوسائط والمكتبات، ومن تلك الأسباب الأساسية والحاسمة في ترسيخ استبعاد فعل القراءة كسلوك حضاري، العامل التاريخي، حيث انعكس وقع الاستعمار على نفسية غالبية عظمى الشعوب العربية، التي فضلت خيار المواجهة الجسدية بديلاً للمواجهة الفكرية، واجترارها مرارة الوضع ذاته بعد الاستقلال، إذ غُيِّب فعل القراءة عن البرامج الإنمائية، واستبعد الهم الثقافي من تفكير أولياء أمور الأمة، ونوابهم إلا نزر قليل يشكل استثناء لا يقاس عليه، وصُوّب التفكير كله إلى ضمان القوت اليومي، بالإضافة إلى ذلك، ترتب عن غياب الوعي بفعل القراءة، وضعف محتوى المادة المقروءة (خاصة في الجرائد اليومية، والمجلات)، وارتفاع أثمنة الكتب (كتب الأدب، الموسوعات،.. إلخ)، وتهميش البرامج الثقافية، بل وتضييق مدة وتوقيت بثها في القنوات والبرامج الإذاعية، وتراجع دور الأندية الثقافية والإبداعية داخل المؤسسات التربوية والجامعية، وعليه تحول الرهان من إشباع الفكر، إلى إشباع الجسد، مما نجم عنه تعطيل الذاكرة، وهيمنة البحث عن الخبز كرهان وأولوية إلى اليوم، والنتيجة هي تضاعف نسب الجريمة، والانحلال الخلقي، وتفكك الأسر، وتدني فاعلية المؤسسات التعليمية على اختلاف مستوياتها. على أن الذي يجب ألا يغرب عن حواسنا، أنه رغم كل الجهود والمبادرات الجمعوية والحكومية، الرامية إلى تفعيل حركية الفعل القرائي داخل المجتمعات في العالم العربي، فإنها بقيت مبادرات هامشية ومعزولة، لأنها لم تستند إلى تخطيط، وإيمان ووعي بفعل القراءة في بناء مستقبل الشعوب، مما عمق حجم الكارثة وزاد في هجرة الكتاب، مقابل تضاعف المشتريات المنزلية من هواتف نقالة، واكسسوارات منزلية، والسيارات، وهلم جرّا، مما يحتم على فعاليات الأمة العربية ونخبها، ضرورة التفكير في سبل الخروج من هذا النفق المظلم، المسيء إلى تاريخنا الحضاري والإنساني والفكري والإبداعي، ومضاعفة الجهود وتكثيفها تحقيقاً لفعل القراءة في كل الفضاءات الممكنة.