* سؤال مطروح منذ أمد: لماذا أغلب مدن العالم نجد لكل مدينة بصمة تتمثل في أثر أو معلم أو مكوّن من مكونات الطبيعة.. ما عدا لدينا. مدننا تكاد أن تكون نسخة واحدة ما عدا المدينتين المقدستين مكة والمدينة، وإن كنا نلاحظ أنه في التلفزيون السعودي يتم بشارة الأخبار إظهار برج الساعة بمكة وكأنه أعرق من الكعبة المشرفة وبيت الله الحرام، وفي الدنيا مئات الأبراج والساعات ويمكن بناء وصناعة الآلاف لكن في الدنيا كلها لا يوجد سوى كعبة واحدة وبيت محرم واحد. عندما يتجول الواحد في مدننا لا يجد لأي مدينة هويتها الخاصة.. والمؤلم أنه يتم هدم وإزالة ما يدل على تاريخ وأصالة تلك المدينة بحجة المدنية والتطوير. هل ((الغابات الأسمنتية)) هي المعالم التي تشكل هوية مدننا وهذه المعالم العمرانية موجودة في كل مدن العالم.. ألا يمكن أن نجمع بين الأصالة والمعاصرة بين التحديث والحفاظ على هوية كل مدينة. *** * لقد كتب الأديب الشاعر أ. أحمد التيهاني مقالاً جميلاً وصادقاً عن فقْد مدننا لهويتها ونعى على الجهات المختصة والبلديات إهمالها هوية أية مدينة بحجة رهان التطوير.. مع أن الحفاظ على أصالة وتاريخ أي مدينة لا يتقاطع مع أي انطلاقة حضارية وانظروا كثيراً من العواصم العالمية التي سبقتنا في ميدان التطور الحضري. لقد ضرب أ. أحمد مثالاً صارخاً ومؤلماً على تغييب هوية المدينة الجميلة ((أبها)) حيث غاب واديها من أجل بناء جسر، و((قصبتها الشهيرة)) من أجل إنشاء دوار.. إلخ. وأنا أضرب مثلاً آخر في مدينتي ((عنيزة)).. أشعر عندما أزورها أنها تنكرني وأنكرها فلا أرى أثراً يدل على تاريخها كحي طيني قديم أو مزرعة نخيل يسقى زرعها بالسواني ولا سوقاً قديماً من أسواقها العريقة ولولا أن أبناء المرحوم عبدالله الحمد الزامل رحمه الله وحفظهم أعادوا بناء سوق ((المسوكف)) على شكله القديم وعاد إليه كبار السن ممن كانوا يعمرون دكاكينه من النساء والرجال بعرض وصنع المنتجات التراثية.. وما عدا منارة جامعها العريق التي تقف بخجل أمام ركام الإسمنت والرخام. أتساءل بألم: هل تبنى حاضر مدننا على أمجاد ما ضيها. أخيراً أختم ببعض أبيات من قصيدة بالغة التأثير قالها الشاعر الكبير المرحوم عبدالعزيز محمد المسلم عندما زار مدينته ((عنيزة)) بعد غياب طويل فلم يجد ملاعب طفولته ولا نكهة ماضيه واقرؤوا هذه الأبيات الشجية فيها من قصيدته ((مغاني الصبا)) لعلها تحرك بعض المشاعر لإعادة ما تبقى من هويات مدننا: مغانٍ هي التاريخ والعمر والهوى أفي غمضة تقضي عليه المعاول أبرا بمن شادوا يُهدّ بناؤهم أحفظاً لذكراهم تُزال المنازل أيبنى على أنقاض مجد مؤثل بنته بحبات الكفاح الأوائل جديد غريب يجهل الترب نبعه وتنكره أجواؤنا والمحافل هبونا ارتقينا للسٍّماك لوحدنا وسارت لنا في كل فًلْك قوافل أتورق أغصان نأت عن جذورها هل تبسم الأزهار والغصن ناحل? =2= ** آخر الجداول ** * مقطع شعري عذب للشاعرة نوِّير العتيبي: «أتصالح مع الفرح الشاحب أمدّ يدا من بعيد تهزها رجفة حب وخوف وشيء غامض لا يبين يالطول المساء وفوقي الصّدى الذي يشحّ بطمأنينة ورداء من رضا)»