ثورة صغيرة شهدها عالم التلفزيون خلال العام المنصرم، قادتها شركة «نيتفليكس» الأميركية، والتي كانت، وحتى قبل سنوات قليلة (وما زالت بنطاق يَضيق كل عام)، تؤجر أسطوانات الأفلام وترسلها عبر البريد العادي الى مشتركيها في الولايات المتحدة. الشركة، التي خضعت في السنوات الخمس الأخيرة لتغييرات جمّة تفاعلت مع تقدم التكنولوجيا (توفر آلاف الأفلام والمسلسلات عبر خدمتها المدفوعة الثمن على الشبكة العنكبوتية)، بدأت عام 2013 بإنتاج مسلسلاتها الخاصة، والمتوافرة حصرياً على خدمتها، كما بدأت نيل الجوائز والحصول على اعتراف المؤسسات التلفزيونية والإعلامية التقليدية. وقبل أن ينتهي العام بأشهر قليلة، انضمت شركة «أمازون» التي حققت شهرتها من بيع الكتب عبر شبكة الإنترنت قبل أن تتطور في السنوات الأخيرة لتبيع كل شيء تقريباً، انضمت الى التنافس لنيل حصتها في سوق المشاهدة التلفزيونية عبر الإنترنت، فأعدت محتواها الخاص، وعرضت مسلسلها الكوميدي «ألفا هاووس» منذ شهر ونصف الشهر تقريباً. ومن خططها للعام 2014، عرض خمسة مسلسلات جديدة، اختيرت بعد تصويت الجمهور على 14 مسلسلاً، عرضت حلقات تجريبية منها على زبائن الشركة. خطوات «نيتفليكس» و «أمازون» هزّت مفاهيم المشاهدة التلفزيونية، والتي تتعرض منذ سنوات الى تغييرات كبيرة وجوهرية، فلم يعد جهاز التلفزيون مرتهناً بما تقدمه القنوات، ولم تعد هذه الأخيرة هي التي تحدد كل ما يُعرض على الشاشات الصغيرة. فالتلفزيونات الذكية تحظى بشعبية كبيرة منذ سنوات، وعبرها يمكن مشاهدة المحتوى المتوافر على مواقع المشاهدة المعروفة، مثل «يوتيوب» وغيره، لكنّ الجديد الذي جَلبه هذا العام، أن شركات إعلامية كانت الى ما قبل عام فقط توفر مسلسلات الآخرين وأفلامهم، بدأت في انتاج محتواها الخاص، لتتميز عن عدد من الشركات الأخرى، والتي توفر خدمة المشاهدة التلفزيونية وفق الطلب عبر الإنترنت. لا ترغب «نيتفليكس» في أن تفصح عن كل شيء حول نشاطاتها، فهي مثلاً ترفض أن تكشف أرقام المشاهدة لمسلسلاتها الحصرية، وتمتنع أيضاً عن تقديم إحصاءات المشتركين في الدول الاوروبية التي تدخلها تباعاً، لكنها في المقابل كشفت أن عدد مستخدميها في العالم كله، وصل الى 70 مليون مشترك، تتركز غالبيتهم في الولايات المتحدة. ولا شك في ان الشركة الأميركية استمتعت بنجاحات مسلسلاتها في دائرة جوائز التلفزيون، فهي حصلت على 16 ترشيحاً في جوائز «إيمي» الخاصة بالتلفزيون لعام 2013، وانتهت بالفوز بثلاث جوائز، واحدة لأفضل مخرج للأميركي المعروف ديفيد فينشر عن المسلسل السياسي «بيت من ورق»، كما سمحت جوائز «بافتا» البريطانية للشركة، بالتنافس على جوائز التلفزيون في العام المقبل، كما حلّت «نيتفليكس» في المركز الثالث بعدد الترشيحات على جوائز «غولدن غلوب» للعام المقبل، وستنافس على ست جوائز. لكن وعلى رغم الوسيط الحديث الذي تقدم عبره مسلسلات شركات «نيتفليكس» و «أمازون»، غير ان هذه الاعمال لم تفصح عن مفاجآت مهمة، من جهة المواضيع او المعالجات. فهي بدت حريصة كثيراً على تحقيق رضا المشاهدين، واختارت الحلول الأمينة، على رغم هامش الحرية الكبير المتوافر لمسلسلاتها، مقارنة بتلك التي تعرضها القنوات التلفزيونية، والتي تخضع لاعتبارات رقابية وتسويقية عدة. في المقابل، تحاول مؤسسات إعلامية عريقة مثل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، أن تلحق بسرب التكنولوجيا وتتفاعل مع تصاعد شعبية مشاهدة المحتوى التلفزيوني عبر وسائط عدة. ولهذا أعلنت بداية العام أنها ستقدم محتوى تلفزيونياً خاصاً بالإنترنت، وأن هذا المحتوى الذي سيقدم عبر خدمتها الشعبية «ايبلاير»، ربما يصل بعدها الى الشاشات التلفزيونية، او يبقى في نطاق الخدمة التي يمكن الاشتراك بها في بريطانيا والعالم عبر الشبكة العنكبوتية. وكانت المؤسسة البريطانية المختصة بتسجيل أرقام المشاهدة في بريطانيا أعلنت قبل اشهر أنها سَتُضَمِّن أعداد المشاهدة لخدمات «المشاهدة وفق الطلب» لتلك الخاصة بمشاهدي التلفزيون عبر «الكايبل»، في إشارة الى شعبية المشاهدة عبر هذه الخدمات. ولا يمكن إغفال الدفع القوي الذي تلقاه سوق المشاهدة عبر الإنترنت خلال هذا العام من شركة «غوغل» بعدما قدمت جهازها الصغير القليل التكلفة «دنغول» والذي يمكن عبره ربط أجهزة الكومبيوتر بالتلفزيونات العادية من طريق تكنولوجيا «واي فاي»، ومن دون أي روابط إضافية أخرى. فهل سيقول العام 2014 وداعاً لمفاهيم المشاهدة التقليدية؟