أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تسيطر بشكل كبير على حياة العديد من أفراد المجتمع، حتى إنها لم تعد حالة طارئة في حياتهم، بل إنها باتت المحرك والمؤثر الرئيس في تغيير اتجاهاتهم وأفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما أنها رسمت أُطراً جديدة في مسار وتوجه العديد من أفراد المجتمع، حتى إنها كانت وما تزال العامل المؤثر في حياتهم. هذه الثورة المعلوماتية لم تكن موجودة قبل عدة سنوات، إذ كان الناس يعتمدون في تواصلهم آنذاك على الرسائل المكتوبة أو عبر ما تطالعهم به الصحف الورقية من أخبار تتعلق بأمور حياتهم، إلى أن جاءت هذه الثورة التقنية التي غيّرت كثيراً من واقع حياة المجتمع. ولا شك أن معظم أفراد المجتمع باتوا اليوم يمتلكون وسائل تقنية يستطيعون عبرها أن يتواصلوا مع المحيطين بهم ممن يعرفون أو لا يعرفون، فالجميع مشغول بالتقنية وقنوات التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن مدى ارتباط الشخص بها من الممكن أن يُحدد مدى انغماسه في هذا المجتمع أو ذاك على اختلاف ما يتم تداوله فيه أو يُثار عبره من قضايا وآراء. وعلى الرغم من هذه الثورة التقنية الضخمة التي أثّرت كثيراً في نسيج المجتمع، إلاّ أن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه هو لماذا هذا الاندفاع الشعبي نحو هذه التقنية؟، ثم ماذا بعد "توتير" و"فيس بوك"؟، وهل من الممكن أن يكون لقنوات التواصل الاجتماعي نهاية؟، وعلى أيِّ شكل ستأتي هذه النهاية؟. مؤسسات مؤثرة وأكد "د.صالح العقيل" -مختص في الشأن الاجتماعي- على أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً من حياتنا، وباتت هي المحرك لكثير من السلوكيات، مشيراً إلى أن غياب المؤسسات المؤثرة كالأسرة والمدرسة والمسجد ومؤسسات المجتمع المدني هو ما جعل لمواقع التواصل الاجتماعي هذا التأثير الواضح على السلوكيات والاتجاهات والقيم والرأي على مستوى الأفراد والجماعات، إلى جانب بعد مواقع التواصل الاجتماعي عن الرقابة الرسمية وغير الرسمية. وأضاف أن العديد من أبناء المجتمع يرتادون هذه المواقع؛ لكونها متنفساً للتعبير عما يريدون، حتى إن كانت الأشياء التي يريدونها ويبحثون عنها خارج نطاق المعقول أو تحت دائرة اللا معقول، أو الأمور الخيالية، مشيراً إلى أن ما يبرر ذلك هو أن مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن عالم افتراضي يوجد فيه كل ما يريده الشخص، مبيناً أن ذلك جعل هذه المواقع تنفرد بصدارة اهتمام أفراد المجتمع، وبالتالي أصبحوا يرتادونها؛ للتعبير عن آرائهم حول قرارات وأنظمة وأفكار معينة، سواءً كانت هذه الآراء مقبولة أو مرفوضة. وأشار إلى أنه من غير المتوقع أن يضعف دور مواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك لأنه لا يمكن لمؤسسات المجتمع أن تعود لدورها الطبيعي أو أن تؤدي أدوارها المتوقعة منها، لافتاً إلى أنه لن يضعف دور هذه المواقع إلا إذا وصلنا إلى تقنيات أكثر وعوالم أخرى أكثر مرونة واحتواء لما يريده الناس بشكل أكبر مما هو متوفر في مواقع التواصل الاجتماعي حالياً، مبيناً أنه من الممكن أن نصل إلى عوامل مادية أو فضائية، بيد أنه من الصعب توقع ذلك؛ لأن ذلك يدخل ضمن عوالم المجهول، موضحاً أنه ليس بالمستبعد أن تأتي ثورات جديدة تُضعف مواقع التواصل الاجتماعي أو تُقلل من حجم تأثيرها الاجتماعي، بيد أنها في النهاية ستكون عوالم تقنية سيمتد تأثيرها إلى مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من المواقع الأخرى. تكنولوجيا الملابس وقال "د.سعود صالح كاتب" -مختص في مهارات الاتصال وتكنولوجيا الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة-:"وسائل التكنولوجيا ليس لها حدود، فلو سئلنا قبل عشرين سنة عما يمكن أن يظهر في التواصل الاجتماعي، فإنه فمن الصعب أن نتخيل أننا سنعيش هذه الثورة التقنية كما يحدث في الوقت الحالي"، مضيفاً أن التطورات تحدث بشكل كبير وبشكل يفوق قدرتنا على التخيل، كما أنه من الصعب تحديد ما يمكن أن يحدث بعد "تويتر" و"فيس بوك". وأضاف أنه من الممكن أن نتوقع عبر وسائل التكنولوجيا أننا ربما نتجه نحو الهواتف الجوالة، وهي القادمة بقوة في المرحلة المقبلة، وأصبحت أساسية في جميع عمليات التواصل، موضحاً أنها تتسم بالحميمية والانتشار، كما أنه أصبح بإمكان الهاتف الجوال أداء ما يفعله جهاز "الكمبيوتر" من مهام، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن نتجه إلى ما يسمى بتكنولوجيا الملابس، بحيث تكون جزءاً من الأشياء التي نرتديها، سواءً من خلال ساعة اليد أو "الجاكيت" أو الثوب، أو أنها تكون مدمجة بالثياب، كما أنه من المتوقع أن يكون هناك تطوّر في التلفزيون والإذاعة وجميع أشكال التكنولوجيا، بحيث تتطور بشكل سريع يفوق قدرتنا على التخيل. وتوقع أنه في حال انتهت مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه سيحل محلها شيء جديد يكون تأثيره أقوى من تأثيرها، مضيفاً أنها لن تنتهي حتى يكون هناك شيء جديد يسد مكانها ويشبع احتياج الأشخاص الذين ألفوها وأصبحت جزءاً من حياتهم، مشيراً إلى أن أهم تأثير أضافته مواقع التواصل الاجتماعي هو أنها جعلت كل شخص يرتبط بملايين الأشخاص بشكل تفاعلي بسيط وغير معقد أو صعب، لافتاً إلى أن التفاعل خاصية مهمة، وهي تحدث بين كل فئات المجتمع بدءاً من رؤساء الدول وانتهاءً بطلبة المراحل الأولية، حتى إنها جعلت الجميع يعيشون تحت سقف واحد. وعي مجتمعي وتوقعت "منى المالكي" -كاتبة صحفية- ألا تنتهي قنوات التواصل الاجتماعي، بيد أنه من الممكن أن يقل تأثيرها نتيجة الوعي المجتمعي الذي بات موجوداً لدى الكثيرين من أفراد المجتمع، مشيرة إلى أن أيَّ خبر كان يتم نشره في الصحف قبل عدة سنوات كان يصدر دون تفكير، أما الآن فإن المجتمع يعلم معنى الشائعات، موضحة أن هذا يُعد تطوراً جيداً في المجتمع، مبينة أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست كما يعتقد البعض بأنه يمكن من خلالها عمل استبانات تبين وجهة نظر عموم أفراد المجتمع؛ وذلك لأنه عند حساب عدد المشاركين في مواقع التواصل الاجتماعي فإننا نجد أنها لا تشمل جميع أفراد المجتمع، خاصة في وجود من لديهم أكثر من حساب. ولفتت إلى أنه أصبح من الممكن طرح أي موضوع للنقاش العام عبر "تويتر"، كما أنه من الممكن الاطلاع على آراء متعددة، بيد أنها ليست ظاهرة تقيس نبض المجتمع، مضيفة أنه حينما ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي كان من المتوقع أن تنتهي الصحف الورقية، بيد أن ذلك لم يحدث، الأمر الذي يُعزز فكرة عدم وجود نهاية لمواقع التواصل الاجتماعي، كما أن القنوات الفضائية عندما ظهرت كان من المتوقع أن تلغي وجود الإذاعة، ومع ذلك فإن الإذاعة لا تزال موجودة حتى اليوم، مما يعني أن الجميع عبارة عن منظومة إعلامية متكاملة. قلب الموازين وبينت "منى المالكي" أن الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي أسهمت بشكل كبير في قلب الموازين شئنا أم أبينا، مضيفة أن قلب موازين الثقافة المجتمعية ظهر في المأكل والمشرب وارتداء الثياب وطريقة التفكير وفي تغير الكثير من العادات التي تأثرت بوجود الفضائيات والإعلام الجديد، فعلى سبيل المثال فإن "تويتر" أصبح يضم كلا الجنسين من الرجال والنساء، وأصبح هناك تواصل صريح بين الطرفين، مشيرة إلى أن ذلك لم يكن موجوداً قبل عدة سنوات، لافتة إلى أن قنوات التواصل الاجتماعي أسهمت في وجود الجرأة فيما يتعلَّق بطرح الرأي، كما أنها أسهمت في إزالة الحواجز وإذابة الفوارق بين العديد من أفراد المجتمعات. وأوضحت أنه من المتوقع أن يكون هناك ثورة جديدة بعد هذه القنوات الإلكترونية، مضيفة أن "تويتر" و"فيس بوك" ساهما في ظهور الثورات العربية، مشيرة إلى أنها كانت تُدار من أُناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي يُحسنون اللعب على وتر العاطفة، الأمر الذي أثر على العديد من أفراد المجتمع، لافتة إلى أنه من المتوقع أن تظهر أشياء أخرى جديدة عوضاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، بيد أنها لن تُضعفها كثيراً، مبينة أننا أصبحنا نتحدث بأصابعنا أكثر من ألسنتنا.