×
محافظة المنطقة الشرقية

ملايين المصريين يواجهون الموت البطيء.. المعيشة الغالية هل تدفعهم للبحث عن نظام بديل؟

صورة الخبر

قبل فجر يوم الإثنين 24 أكتوبر/تشرين الأول 2016 عبَّأ يوسف، الصيدلي البالغ من العمر 35 عاماً والفارّ من العنف المسلح في بلده السودان، بعض البطاطين في حقيبة ظهره، ليودع خيمته المحاطة ببرك طينية. كان يحلم بالسفر إلى إنكلترا عبر الاختباء في إحدى الشاحنات، لكن "حلمه تبخر وأغلق هذا الطريق أمامه". لم يُرد يوسف البقاء لليوم الذي يجبر فيه على مشاهدة فرق الهدم وهي تزيل أكواخهم في مدينة كاليه، وهي ميناء في شمال فرنسا يعيش فيها حوالي 6 آلاف إلى 8 آلاف لاجئ ومهاجر. ويأمل كثير من هؤلاء المهاجرين في الهروب باستخدام الشاحنات إلى مدينة كينت، القابعة في جنوب شرق الساحل البريطاني. ويقول يوسف "الحياة في معسكر كاليه صعبة وبائسة. أشعر بالارتياح لطلب اللجوء في فرنسا. كل ما أعرفه عنها أنهم يصنعون عطوراً جيدة، وأن باريس مدينة الحب. الآن، أبدأ رحلة الحب"، وفقاً لما جاء بصحيفة البريطانية. ومثل غيره من اللاجئين هناك، لم يكن لدى يوسف أية فكرة عن الوجهة التي سيتنهي مطافه إليها بينما كان ينتظر خارج مستودع تستخدمه فرنسا لتنظيم وتصنيف الناس إلى أربع مجموعات: البالغون، والعائلات، والمرضى، والقٌصر بلا مرافق. خريطة للاختيار كان يتم إعطاء اللاجئين والمهاجرين، الذين لا يعرفون أي شيء عن فرنسا، خريطة للاختيار بين منطقتين للذهاب إليها، ثم توضع أساور على أيديهم لتميزهم ويحملون على حافلات نقل ركاب لإيصالهم إلى أحد مراكز الاستقبال المنتشرة عبر البلاد. كانت المعلومة الوحيدة المسموح لهم معرفتها هي إسم المنطقة الأوسع التي سيذهبون إليها، لكنهم لم يعرفوا اسم المدينة أو طبيعة المكان الذي سيستقبلهم. يقول يوسف: "أغمض عيني وأشير إلى الخريطة"، في إشارة إلى اختياره العشوائي للمكان الذي سيذهب إليه، ويتابع: "أريد أن أندمج مع المجتمع وأبدأ حياة جديدة. أثق في فرنسا بأنها ستجعلني آمناً، يسيء الناس فهمنا، نحن لا نعاني من مشكلات اقتصادية. لقد هربنا من العنف والسلطوية في بلادنا". فقد عواد، السوداني البالغ من العمر 31 عاماً، الأمل في الوصول إلى إنكلترا أيضا. فيقول: "نحب المملكة المتحدة، لكنها لا تريد لاجئين". سأل أحد المهاجرين الأفغان بصوت متحير: "أحب إيقاع كلمة نورماندي، لكن هل هي مدينة جميلة؟"، في إشارة إلى مقاطعة تقع في شمال غرب فرنسا. خاب أمل هذا المهاجر الأفغاني بقضية اللاجئين، وباتت أقصى آماله الابتعاد عن الحدود قدر الإمكان والذهاب إلى مكان ما داخل فرنسا لبدء حياة جديدة. وإذا أبدى البعض تفاؤلاً تجاه الحصول على حق اللجوء بفرنسا، لا يزال هناك بعض المتخوفين بشأن مستقبلهم. بعد أن بقيا في معسكر كاليه لعدة أشهر، قرر أفغانيان قبول المساعدة الفرنسية للعودة إلى ديارهم مرة أخرى في مدينة جلال آباد، رغم ترددهما وخوفهما على أمنهما هناك. يقول محمد، البالغ من العمر 26 عاماً "لقد حاولت، أقبلت على مخاطر عديدة محاولاً استقلال ظهر الشاحنات.. أن أموت في بلدي أفضل عندي من الموت تحت عجلات الشاحنة هنا". أزمة القصر وفي أولى أيام عملية نقل المهاجرين من معسكر كاليه، ركب حوالي 700 شخص حافلات الركاب المتجهة إلى مناطق متفرقة في فرنسا. يقول مهاجر إريتري، يبلغ من العمر 23 عاماً "لم يكن لدينا خيار آخر". حصل معظم الأشخاص على معاطف وسترات، وزعتها جمعيات خيرية. ويُظهر عدد المراهقين الكبير المتجمعين بإحدى غرف مستودع تصنيف اللاجئين، أن أزمة وجود قٌصر مهاجرين بلا مرافق أبعد ما يكون عن الحل. وأظهر مسح خلال الأسابيع الأخيرة، أن عدد الأطفال الموجودين في معسكر كاليه يبلغ 1300 طفل، بعضهم ترك المعسكر متجهين إلى بريطانيا في الأيام الأخيرة. وجلس طفل إثيوبي يبلغ من العمر 15 عاماً بين عشرات المراهقين مطأطئاً رأسه، بينما يسجل موظفون حكوميون فرنسيون وعمال إغاثة بياناتهم. ويقول الطفل: "لم أرَ والديَّ منذ عام، لقد علقوا وسط العنف في بلادي. لا أعرف مكان أبي وأمي، لكنهم يريدونني أن أًصل إلى إنكلترا". ويقول بيير هنري برانديه، المتحدث بإسم وزارة الداخلية الفرنسية: "تعي بريطانيا جيداً مسؤوليتها تجاه هؤلاء الأطفال. لقد عبرنا عن وجهة النظر هذه عدة مرات للندن ونجري نقاشات مستمرة معهم حول هذا الشأن". وفي داخل معسكر كاليه كريه الرائحة، كان العديد من الأشخاص يخططون للبقاء في خيامهم وأكواخهم على الأقل لليلة أخرى، أملاً في المحاولة مرة أخرى للوصول إلى بريطانيا بدلاً من البقاء في فرنسا. ويبدي مهاجرون بالغون مخاوفهم من ضياع فرصة لم شملهم بأسرهم الموجودة في بريطانيا. تعيش زوجة توفو وطفليه في بريطانيا، وهو نجار يبلغ من العمر 48 عاماً، هرب من أحداث العنف في إريتريا. يقول إنه لم يرَ ابنه البالغ من العمر 16 عاماً منذ تسع سنوات، وإنه لم يرَ مطلقاً ابنته ذات التسعة أعوام. كانت زوجته حاملاً عندما رآها آخر مرة في السودان. يقول توفو: "لا أدري ما الذي يخبئه المستقبل. أريد شرح أسباب طلبي للوصول إلى بريطانيا، لكن لا أحد يسمعني. لقد بدأوا في الإنصات للأطفال هنا. لكن ماذا عنا، نحن البالغين المبعدين عن أطفالنا؟". ويفكر توفو فيما يمكن فعله. بالنسبة له أصبح السفر إلى إنكلترا مهمة مستحيلة. فبعد السجن والعنف الذي تعرض له في إريتريا، لم يستطع تحمل مخاطر الركوب خفية على ظهر إحدى الشاحنات العابرة للقناة الإنكليزية التي تربط بين فرنسا وإنكلترا. يقول " لا أريد أن أسجن أو أعرض نفسي للخطر. تصلي زوجتي من أجل أن نلتقي يوماً ما". ويفكر توفو الآن في قبول نقله إلى إحدى المدن الفرنسية، أملاً في ملاقاة أسرته في وقت لاحق. نريد أن نعيش في قلب معسكر كاليه، يقودك باب خشبي إلى عدة أكواخ مكتوب عليها عبارة "نحن سوريون. نريد أن نعيش". كان محمد، ذو الـ 22 عاماً والقادم من مدينة منبج السورية المجاورة لمدينة حلب، يجلس بينما يشرب الشاي. لقد بقي في هذا المعسكر لعدة أشهر وحاول الهروب في الشاحنات خمس مرات، لكن المهربين طلبوا منه دفع 3 آلاف إلى 4 آلاف جنيه إسترليني قبل فتح باب الشاحنة وهو أمر مستحيل بالنسبة له. فأسرته بسوريا محاصرة من أربع جبهات: المقاتلين الأكراد، ومقاتلي المعارضة، والدولة الإسلامية (داعش)، وجنود نظام بشار الأسد. ويقول محمد: "إن الأمر صعب وأريد الوصول إلى إنكلترا"، حيث يتواجد عدة أقرباء له في مدينة لندن، بعضهم يعمل في مجال الحلاقة وآخرون يعملون في متاجر تجزئة. وفي وسط الليل، غادر مجموعة من السوريين حاملين متعلقاتهم في محاولة للعبور إلى بريطانيا. ويقول محمد: "لا أدري ما الذي سأفعله. أحيانا أشعر أنني إما سأتمكن من الوصول إلى بريطانيا أو سينتهي بي المطاف بالعودة إلى سوريا". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على النص الأصلي، اضغط .