في وقت واحد، السبت الماضي انهارت الهدنة «الافتراضية» في اليمن وسوريا. هدنة افتراضية، لأنها كانت شكلا من أشكال إيهام الذات، الأميركية، حيال المسؤولية العالمية بتكريس السلم في البلدين وحماية المدنيين. هدنة اليمن ذات 72 ساعة، التي ألحّ عليها المبعوث الدولي لليمن، ولد الشيخ أحمد، الخاضع بدوره للضغط الأميركي، لم تملك أسباب البقاء، ولا أدوات الفرض، ولذا فقد كان وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي محقا حين تحدث عن طلب ولد الشيخ تمديد الهدنة، بأن الهدنة لم تبدأ حتى تُمدد! في حلب أعلن الروس من جانب واحد هدنة لثلاثة أيام، ربما لمناورة إعلامية وسياسية، وللتلاعب بالضغوط الغربية، ولكن كانت الطائرات والقاذفات الروسية تتصرف على الأرض في حلب وكأن الهدنة المعلنة نوع من «الكاميرا الخفية». هذا «الشغف» الأوبامي بإطلاق الهُدن الافتراضية، يأتي في سياق الحرص الشديد على تحقيق منجزات سريعة، حسب التعريف الأوبامي للمنجزات، على مستوى السياسة الخارجية وصون الأمن القومي الأميركي، خدمة للمرشحة الديمقراطية للرئاسة، وتلويحة وداع أوبامية، على حساب المصالح العربية، تثبت أن الرجل رئيس حقيقي وصارم، وهازم لـ«داعش». على ذكر «داعش»، ومعركة الموصل الحالية يقال: إن هدفها «الوحيد» هزيمة «داعش»، فقد أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن الرئيس الأميركي أوباما يأمل أن يرى الموصل وقد تمت استعادتها قبل أن ينهي ولايته. ونصحت الصحيفة الرئيس، المقبل بـ«تجنب الخطأ الذي وقع فيه أوباما، المتمثل في الانسحاب المبكر وهزيمة الذات»، كان لافتا استخدام هذا التعبير «هزيمة الذات». أما في سوريا، فإن هواجس «الصابر الاستراتيجي» أوباما لم تخف على كثير من أهل الرأي والخبرة السياسية، ومن وجهة نظر أوروبية ترى وجوب انخراط القارة العجوز في الموضوع السوري وعدم تركه حكرا للروس والأميركان، ذكر منسق السياسات الأوروبية الأسبق (خافيير سولانا) في مقالة له أنه: «لم يتبق لدى الرئيس باراك أوباما الكثير من الوقت على نهاية ولايته، الأمر الذي يجعل أي تحول كبير في السياسة الخارجية تحت إدارته شبه مستحيل. ومثلما المعركة مشتعلة في حلب، كذلك هو الحال في معركة انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستحدد خلفه». إذن نحن أمام رئيس لديه تصورات «عليلة» وخطيرة عن الأمن وطبيعة الحلفاء والأعداء، في العالم، وهو يريد تثبيت هذه التصورات قبل رحيله، بشكل لا يمكن للرئيس التالي له الفكاك منها! يعني يريد، أو هكذا يتوهم، بسط ظله الشريف على منطقة الشرق الأوسط، بعد رحيله من البيت الأبيض.. لكن الزمن لا يعود.