دبي - لا أحد لا يتمنى أن يمتلك جهازا يشبه الموجود في فيلم "من إن بلاك" حيث يستطيع بضغطة زر واحدة أن يحذف من ذاكرته كل الذكريات السيئة والمؤلمة وحتى آثار جروحها في النفس. وفي ظل التطور الكبير الذي تشهده الحياة المعاصرة يتساءل الكثيرون عن إمكانية محو آلامنا من الذاكرة والإبقاء فقط على الذكرى الوردية الجميلة. في علم النفس يعرف طلاب العلوم العصبية والأمراض النفسية القصة الشهيرة لمريض مصاب بمرض الصرع يسمى هنري مولايسون حيث يتردد أول حرفين من اسمه "اتش إم" في أكثر من 12 ألف دراسة وبحث بسبب الحالة الفريدة التي أُصيب بها؟ وهنري بحسب ويكيبيديا مصاب بالصرع واشتد المرض عليه حتى لجأ إلى الجراح العصبي، د. ويليم سكوفيل، الذي قام باستئصال منطقة من دماغ هنري منطقة تشبه حصان البحر، والتي تسمى الحصين، معتقداً أنه سيعالج هذه النوبات الصرعية التي يعاني منها هنري. عالج د. سكوفيل هنري من نوبات الصرع ولكن حدثت معه أشياء غريبة فقد بدأ هنري بفقدان قدرته على حفظ أي شيء يحصل أمامه على الرغم من بقاء قدراته وذكائه كما هو بعدالعملية الغريبة ولم تتغير شخصيته، كل ما تغير هو اختفاء قدرته على التذكر مع اختفاء نوبات الصرع. وقد قدم هنري مولايسون خدمة كبيرة لعلم النفس وأبحاثه فعلى الرغم من خسارت كل الذكريات عن إحدى عشرة سنةً سبقت العملية نسيانه كل ما يحدث معه لحظة بلحظة إلا أن البشرية تعترف بفضله في المشاركة بتجارب كثيرة. لكن لا أحد يرغب أن يحصل معه ما حدث مع مالايسون الذي فقد كل ذكرياته، البشر جميعه يرغبون فقط في التخلص من الذكريات الأليمة فقط، فهل سيحقق التطور التكنولوجي هذا الحلم؟ ويقول العلماء المختصون بعلم النفس إن قدرتنا على التذكر ترتبط ارتباطا كبيرا بالتواصل الاجتماعي، فحسب دراسة استمرت ست سنوات من هارفارد، تبيّن أنّ المسنين الذين يتمتعون بمعدلات عالية من التواصل الاجتماعي هم أقل تأثراً بسطوة التقدم في العمر على الدماغ البشري، بحسب موقع مرصد المستقبل الإماراتي. كما تربط دراسة أخرى من قسم علم النفس ومركز العلوم الدماغية في هارفارد تحسن التذكر بتفقد الذكريات بشكل منتظم فعند التذكر يقوم الدماغ بتفعيل الخلايا المسؤولة عن حفظ هذه الذاكرة بشكلٍ انتقائي يمكن لذلك أن يحصل عن طريق رؤية صور معينة لهذه الذكريات أو سماع قصةٍ تذكرك بتلك اللحظة نفسها. وهذا يعني أيضا أننا نستطيع محو الذكريات السيئة بإهمالها وعدم زيارتها حتى لا تنشط الخلايا المسؤولة عنها في الذاكرة وهي طريقة بسيطة لمحو الألم الناتج عن تذكر مواقف موجعة. ولكن ما هي الطريقة الفعالة لتذكر شيء كي ننساه؟ أجرى العلماء تجربة على الفئران بصعق أقدامها عند ظهور نغمة معيّنة، ومع تكرر هذا الحدث ربطت الفئران بين الحدثين فأصبحت تظهر رد الفعل، التوقف والخوف من المشي تجنباً للصعق، عند سماع المنبه المرافق (النغمة التي إطلاقها) بهذا يكون العلماء قد شكلوا ذاكرة ورد فعلٍ عند هذه الفئران. وبدأ العلماء بعد تعريض الفئران لتجربة الألم محاولة أخرى وهي محو الألم الناتج عن تذكر الصعق بتعريض الفئران للنغمة ذاتها بشكل أكبر دون صعق فبدأت الفئران تدرك هذا الشيء، وربطت وجود بيئة آمنة بهذه النغمة المعينة، ومن ثم عادت للمشي بشكلٍ طبيعي. وتوصل العلماء من التجربة أن القدرة على تعديل الذكريات تكمن في خاصية الدماغ التي تسمى المرونة العصبية فهو قادر على تغيير الاتصالات المشبكية بين الخلايا العصبية المختلفة، لتقوية ذكريات معينة أو إضعاف والتخلي عن أخرى. وتعيد الخلايا العصبية ترتيب الصلات العصبية بين المحاور والاستطالات الخاصة بها، لتسمح بتسجيل ذكريات جديدة، هذه الخاصية بحد ذاتها هي الخاصية التي تسمح لنا بالتعامل مع الواقع بشكل مباشر . هناك منطقة في الدماغ تسمى اللوزة الدماغية وهي حسب العلماء مخزن للمشاعر والذكريات، ويفرز في هذه المنطقة ناقل عصبي يسمى الاستيل كولين يؤدي زيادة إفرازه إلى تحسن الذاكرة. ولحث خلايا معينة على إفراز كميات معينة من الأستيل كولين، استخدم الباحثون طريقة تسمى علم الجينات الضوئي للتحكم بالخلايا في النسيج الحي بواسطة الضوء. واستطاع العلماء حذف الذاكرة المؤلمة بتقليل تحرير الأستيل كولين في اللوزة الدماغية أثناء تشكل الذاكرة السيئة، فضعفت قوة الذاكرة في الخلايا وصار محو الذكريات المؤلمة ممكنا بواسطة التلاعب بالأستيل كولين. لكن هذا الناقل العصبي مهم جدا للذاكرة ولصحة الدماغ لذلك أوصى العلماء بتحري الدقة للوصول إلى طرق غير دوائية للتأثير على الذكريات بمزيد من الأبحاث والدراسات القادمة.