×
محافظة مكة المكرمة

” أمانة جدة ” تكشف نتائج التحقيق في نفوق أسماك النورس

صورة الخبر

على بعد بضعة شوارع من ميدان طلعت حرب في القاهرة، يقع فندق صغير مكون من 20 غرفة فقط، هذا الفندق الأثير، عمره يتجاوز مئة عام، ويرتاده في العادة السواح والأجانب القادمون لزيارة القاهرة، خاصة من الأوروبيين المملوئين حبا وهياما بسحر الشرق. «اللوكندة» الساحرة كما يطلق عليها المصريون، تعطيك إيحاء أخاذا وتملؤك بتلك الانطباعات النادرة التي تتدفق على روحك فور ولوجك من الباب، بالطبع هناك الكثير من الألوان والتفاصيل والإضاءات القديمة التي تعمق أحاسيسك، وتغترف الماضي غرفا وتضعه داخل مقلتيك، كل ذلك لا يرويك وأنت تستمع لأغان خالدة لأم كلثوم وأسمهان ومحمد عبد الوهاب القادمة من مقهى الفندق، فضلا عن ملابس المضيفين الأنيقة، عتيقة الطراز، وكأنك تنتقل في لحظات لعصر المماليك. الجميل أن معظم العاملين في الفندق هم من أبناء الأسرة التي تمتلكه، فالعائلة تتولى الخدمة كاملة، ترى الأب والأبناء وربما أبناء العمومة، وبضعة عاملين آخرين من خارج العائلة تورثوا وظائفهم من آبائهم هم كذلك. في جدة أيضا وعلى بعد أمتار من ميدان البيعة، تنبت البيوت الجميلة الطراز، وتلتف حولها الطرقات المعبدة بالحجر والإضاءات الجميلة، وأتساءل لماذا لا تقوم بعض العائلات التي تتملك بيوتا غاية في الجمال، باستثمارها وتحويلها لفنادق وموتيلات صغيرة، أو مطاعم ومقاه شعبية، كم ستكون لافتة وجاذبة للزوار والسياح. من الجميل أن تعمل العائلات في مهنة يتوارثها أبناؤها جيلا بعد جيل، العمل في الفنادق والمطاعم والمقاهي والصيد والزراعة والصناعات الحرفية مهن عائلية في أساسها ولا بد أن تعود لمجدها، وهي بالتأكيد حواضن للتراث والأفكار العميقة. نعم نحن نسيناها، وربما تعالينا دون قصد، أو قفز عليها بعضنا متعمدين، لكن حياتنا القادمة المملوءة بالتحديات والمصاعب، تستوجب أن نعيد التفكير كثيرا، وأن نبحث في صناديقنا ومنازلنا ومزارعنا، عن فرص من المؤكد أننا أهملناها بسبب الرفاهية التي عاشها المجتمع، ويبدو أن الزمن رحل بها في غفلة منا. أكمل تجوالك في المنطقة التاريخية بجدة، ثم شاهد عن قرب ينبع القديمة، أو تذكر الطائف العتيقة، ستجد أنها قادرة أن تكون مثل القاهرة وبيروت والرباط ودمشق وصنعاء، مدن حية تمد ذراعيها باتجاه ماضيها كما مستقبلها، لم تنس أنها تواقة للتحديث، لكن المدنية لم تختطفها من إرثها وطرازها العمراني. مدننا في كثير من تفاصيلها مهيأة لأن تكون جاذبة، فقط لو ترفقنا بها وتعاملنا معها «إنسانيا»، وسمحنا بانتشار الحياة والفنون في أرجائها، فروائح الأسمنت تكفي لاستمرار المعيشة الموحشة، وغير قادرة على إلهام الناس، وفتح الخيالات أمامهم. القاهرة بما فيها من تفاصيل، مدينة ملهمة، عندما ترى مقاهيها القديمة داخل الأحياء، أو تلك التي واضب على ارتيادها الأدباء والفنانون والموسيقيون، وكيف تحولت إلى معالم حقيقية وهوية تاريخية، تساهم في ثرائها وتعدد أوجهها. نحن في حاجة لبناء مدن أكثر رقة وإنسانية، المقاهي ومحطات السفر، ومراسي الصيادين والموانئ القديمة، هي مخازن الرجال، وحقيبة أسرارهم، لا أعلم لماذا نكرهها ونطاردها، لقد خسرنا الكثير بعدما هدمنا جلها، وأبعدنا الأخرى خارج أسوار المدن. نقلا عن عكاظ