قد تبدو الانتخابات الأخيرة في استراليا «سبتمبر» الماضي وما حدث فيها من هجوم وهجوم مضاد، نموذجا واقعيا يساعد على إصال قيمة الحرية الفردية والتعددية وحماية الأوطان من التشظي، فما حدث لمرشحة حزب «شعب واحد» المناهض للهجرة «ستيفاني بانستر» بعد هجومها على مسلمي «استراليا» الذين وصفتهم بأنهم أقلية لا يتحاوزن 2%، وأن عليهم الرحيل لبلد الإسلام إن كانوا يريدون اتباع مبادئ «الحرام». إذ تم الهجوم على المرشحة «المتطرفة» من قبل الرأي العام، وسخر من جهلها على مقولتها «ليس لدي شيء ضد الإسلام كبلد»، وكانت عناوين بعض الصحف الأسترالية «بانستر نجحت في وضع الإسلام على الخريطة»، مما دفع حزبها للضغط عليها كي تسحب ترشيحها عن المقعد النيابي في ولاية «كوينزلاند»، وإن حاول رئيس الحزب «جيم سافيغ» اللعب على عواطف الرأي العام لتغيير مزاجه اتجاه حزبه، إذ أعلن أن «ستيفاني» هي من قررت الانسحاب بسبب التهديدات. هذا الهجوم من الرأي العام ومفكريه الذي أدى لانسحاب المرشحة لمعرفة نتيجة الانتخابات مسبقا، رغم أن هجومها كان على أقلية «2%» في أستراليا، يكشف مدى وعي غالبية المجتمع بمفهوم الحرية الفردية والتعددية وحماية الأوطان من التشظي. فدفاعه لم يكن باتجاه المعتقد، بقدر ما هو دفاع عن حرية المعتقد، وحرية الفرد وتنوع الثقافات في المجتمع الأسترالي، هو كذلك دفاع عن الوطن وعدم تشظيه وإن كان الهجوم على أقلية «2%»، إذ إن قبول الرأي العام لاضطهاد أقلية استرالية، يعني منح مساحة للخارج، لأن يتحرك داخل هذه الأقلية المضطهدة ليغير الولاءات من الداخل للخارج، فيخلق قلاقل في أستراليا. بعد هذا النموذج الواقعي الذي يقع على جزيرة في طرف الأرض، لنعد للعالم العربي، والواقع المعاش، تخيل عزيزي القارئ أن المرشحة «ستيفان» ما هي إلا شيخ مذهب متطرف أو عضو حزب قومي أو طائفي أو عقدي، شن هجوما على فئة أخرى أو أقلية في المجتمع، كيف سيتعامل معه الرأي العام، والأهم كيف سيتعامل معه مفكروه المشكلون للرأي العام ؟. سأترك الإجابة للقارئ، وأختم : إن حماية الحريات والتعددية والأقليات في أي وطن من قبل مفكريه والرأي العام، هي حماية لأمنك الشخصي الذي هو جزء من أمن الوطن، وبدون حماية الحرية الفردية والتعددية والأقليات تتشظى الأوطان.