يطلق على مهنة "الإعلام" التي أمتهنها متعاونا منذ أكثر من 14 عاما "السلطة الرابعة"، وسميت بذلك لأنها تأتي مكملة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومن هنا يكمن دورها المهم والحيوي كجهاز رقابي وتقويمي ونقدي بناء وجاد للسلطات الثلاث أعلاه. قبل الانضمام للعمل الإعلامي وبفعل الاسم الرنان للإعلام المتمثل في "السلطة" الرابعة، كان لدي يقين أن مهنة الإعلام لا يمكن أن يمتهنها إلا المثقف الواعي وكل مميز في البلد، وكنت أرى كل صحافي أو إعلامي أستاذا يفوق كل الأساتذة الذين علموني الحرف في المدرسة، ولكن هذا اليقين تحول إلى شك بعد الانضمام إلى الإعلام. ما زلت أذكر كلمات مديري وهو يلقِّنني أبجديات العمل الإعلامي في أول يوم لي في الصحافة عندما قال "يجب أن تتعود يا سطام ألا تصف كل صحافي تقابله بالأستاذ، وأن تتعامل مع كل من تقابل كـ "جاهل" حتى يثبت عكس ذلك"، وكان ذلك الدرس بمثابة "الصفعة" وبسببها أخضعت نفسي لمراجعات فكرية مكثفة. مرت الأيام وأنا أتعامل مع المهنة كبقية المهن ففيها المميز وفيها ما هو دونه ولا تخلو أيضا من النوع الرديء، حتى أتت "الصفعة" الثانية التي جعلتني أراجع أفكاري مجددا، وأخرج برؤية مختلفة تقول إن الإعلام ليس كبقية المهن، بل دونها. الصفعة الثانية كانت عبارة عن دراسة لأحد الباحثين في جامعة أكسفورد البريطانية ونشرتها صحيفة "هافنجتون بوست" الأمريكية، جعلت مهنة الإعلام في المركز الثالث من بين المهن التي يختارها المضطربون عقليا. ويشرح الباحث نتائج دراسته فيقول إن المضطرب عقليا هو شخص يتصف بالشجاعة، لا يقع تحت وطأة الضغط، قاسٍ، وأناني، غير مسؤول، مندفع، نادرا ما يشعر بالذنب، عدائي، ومتطفل، لذا فهو يلجأ للإعلام لأنه يمنحه شعورا بالقوة. رغم صفعة الدراسة البريطانية التي ضربت صميم المهنة ومن يمتهنها، إلا أنها تعطينا مؤشرا حول سبب "الانفلات" الإعلامي الذي نشاهده في بعض الصحف والقنوات الفضائية، بل يعطينا مؤشرا أيضا حول سبب التضخم في حجم التجاوزات من بعض الإعلاميين، التي جعلتهم "رايحين جايين" من المحاكم. يجب علينا من اليوم وصاعدا وبعد الدراسة التي خرجت من جامعة عريقة وذات مصداقية عالية، ألا نتألم من سطحية ورداءة وسخافة طرح بعض الإعلاميين الرياضيين، وألا نستغرب هذا الانفلات الإعلامي، وأن نتعامل مع بعض محللي وضيوف البرامج الرياضية كـ "مضطربين" عقليا حتى يثبتوا عكس ذلك.