تعد الأزمة الاقتصادية، التي ترتبت عن قيام نيجيريا بتعويم عملتها المحلية رسالة تحذيرية لمصر، على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين الهيكل الاقتصادي المصري والنيجيري، والأسباب التي أدت للأزمة في كلا الحالتين، إلا أن السياسات المستخدمة والنتائج المتشابهة لا يمكن تجاهلها. فقد شهدت نيجيريا تراجعا شديدا في احتياطي النقد الأجنبي على الرغم من كونها من أهم الدول المصدرة للنفط، ما دفعها إلى المحاولة جاهدة للدفاع عن عملتها في ظل تراجع استمرار تراجع أسعار النفط العالمية. إلا أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي مرت بها البلاد دفعت البنك المركزي النيجيري للإعلان عن تخليه عن سياسة سعر الصرف الثابت وتعويم العملة المحلية ابتداء من 20 يونيو الماضي، نتيجة الانحدار الشديد الذي يعانيه فضلا عن حالة التضخم المتنامية. وفي هذا السياق، نشر معهد التمويل الدولي في منتصف يونيو الماضي، تقريرا تحليليا للوضع الاقتصادي النيجيري لتحليل قرار الحكومة النيجيرية المفاجئ، حيث ذكر أن إعلان تعويم سعر الصرف له أبعاد عديدة على مستويات متباينة، وله علاقة وثيقة بالصلة بين الحكومة والبنوك التجارية، حيث سيتدخل بنك «سي بي إن» بشكل دوري في آليات السوق وسيفتح الباب للقروض الآجلة، لتخفيف الطلب على الدولار، وسيسمح بالوصول غير المقيد لعائدات النفط من العملات الأجنبية، ومع ذلك، تستمر الحكومة في سياسة إحلال الواردات، فلن تغطي البنوك بدورها مكاتب الصرافة، فضلا عن تراكم قائمة طويلة من ورادات الأرز والإسمنت. وقد تكون حالة النايرا «العملة النيجيرية» هي الأقرب لنا، إذا ما قمنا باستبدال إيرادات السياحة المصرية بعائدات النفط، والجنيه بالنايرا. فعلى الرغم من وجود اختلافات كثيرة، خاصة وأن الاقتصاد المصري متنوع، ولا يعتمد على السياحة وحدها كمصدر للدخل بالعملة الصعبة، إلا أن هذه المقارنة قد تبدو مفيدة، لاسيما أن هناك بعض العوامل المشتركة، وهي ندرة النقد الأجنبي واتساع الفجوة بين سعر العملة في السوق الرسمي والسوق الموازي. وعلى الرغم من أن نيجيريا قامت بتعويم عملتها في يونيو الماضي، إلا أن التأخير الكبير في اتخاذ تلك الخطوة أعاق القطاع الخاص، ما أدى إلى دخول البلاد في حالة من الركود الاقتصادي. وعلقت صحيفة فايننشال تايمز في أغسطس الماضي على هذا القرار في مقال نشر بها، قائلة، «يتهم المعارضون الحكومة بأنها سببا في تفاقم مشكلات البلاد بسبب رد فعلها البطيء للأزمة، وأنها انتهجت سياسات عمقت الأزمة، كما أن قرارات البنك المركزي التي قيدت الواردات وعدم تبني سياسة مرنة لسعر الصرف للنايرا كانت سببا واضحا في إحباط قطاع الأعمال والاستثمار، كما أنه أدى إلى ارتفاع أسعار كافة السلع من الوقود إلى الأرز والصابون». الفرق بين مصر ونيجيرايا وفقا لتقرير نشرته جريدة فاينانشيال تايمز، أن مصر تسعى للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي للمساعدة في تخفيف آثار تخفيض قيمة العملة، على عكس ما فعلته نيجيريا، والتي أعلنت في أبريل الماضي على لسان وزير ماليتها أنها ترفض الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي، وأرجع ذلك إلى أن «نيجيريا ليست مريضة، وحتى إذا ما كانت كذلك، فلدينا علاجا محليا خاص بنا». كما أن مصر أيضا توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في عام 2011، وفي نفس العام رفضت الاستمرار في المفاوضات، وقالت إنها ليست بحاجة إليه، وبعد عام توصلت مصر مرة أخرى إلى اتفاق آخر على مستوى الخبراء في 2012، وجرى تأجيله بسبب المعارضة السياسية وتجنب اتخاذ خطوات إصلاحية، وفي الفترة من يوليو حتى أكتوبر 2013، أكد المسؤلين في مصر أننا لسنا بحاجة إلى قرض صندوق النقد الدولي خاصة بعد وصول المساعدات الخليجية الوفيرة. بالطبع كانت الظروف الاقتصادية للبلاد أفضل خلال تلك الفترة، ولكن نقاط الضعف في الاقتصاد كانت موجودة، ثم تدهورت الأحوال، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى البلاد لتجنب اتخاذ قرار تخفيض العملة، والذي أصبح الآن لا مفر منه بعد أن أصبحت الأوضاع أسوأ بكثير. وقد أدى قرار تعويم العملة في نيجيريا إلى جعل سعر العملة فى السوق السوداء يقل بحوالى 50% عن السعر الرسمى حتى تم رفع القيود وهبطت العملة بحوالى 30% فى ذلك الوقت ولم تنخفض منذ ذلك الحين إلا بحوالى 10 % فقط حتى الآن. وإذا كانت نيجيريا حققت بعض النجاح من فصل عملتها عن الدولار إلى أن المستثمرين الأجانب استجابوا ببطء ومازالت العملة النيجيرية تباع فى السوق السوداء بسعر يقل بحوالى 20 % عن السعر الرسمى كما تقول ريهام الدسوقى خبيرة الاقتصاد بمؤسسة أرقام كابيتال بالقاهرة في تقرير نشره أمس موقع بلومبرج الإخباري، حيث ترى ريهام الدسوقي إن مصر يمكنها أن تطبق مباشرة التعويم الحر للجنيه ولكن ستظهر مخاطر، غير أنه يجب غرس الثقة فى قلوب المستثمرين حتى يضخوا ممتلكاتهم من العملة الأجنبية فى القنوات الرسمية وإن كان ستة خبراء اقتصاد أجرت عليهم وكالة بلومبرج مسحا أكدوا إنهم لايتوقعون التعويم الحر من الحكومة المصرية. وترى ريهام، أن تخفيض الجنيه لن يساعد على نجاح سياسة البنك المركزي إلا في حالة إذا توفرت له سيولة دولارية أكثر لتغيير مفهوم أن قيمة الجنيه مازالت أعلى من السعر الحقيقى كما حدث فى عام 2003 عندما خفضت الحكومة عملتها بحوالي 25% ونفذت التعويم ببعض القيود، حيث سمح البنك المركزي بخفض الجنيه، ولكنه كان يضخ باستمرار الدولارات في النظام البنكي ليحافظ على قيمته، وظلت هذه السياسة لمدة 10 سنوات اجتذبت خلالها مصر مليارات الدولارات في أسواق ديونها وأسهمها وزاد احتياطيها الأجنبي إلى 36 مليار دولار ليسجل أعلى مستوى في تاريخها مع نهاية 2010، غير أن هذه السياسة توقفت في ديسمبر 2012 عندما طبق البنك المركزي نظام ترشيد الدولار.