النسخة: الورقية - دولي الاثنين 19/5/2014: الذعر ماذا يمكن أن أفعل؟ الأفضل أن أنام، تماماً في الزاوية التي بقيت لنا في بيت الذعر. لعبة ضوء وستائر وإحساس بجريمة، ولا فرق إن كنت القاتل أو القتيل. نُطرد معنوياً كأن أحداً يرمينا إلى فضاء الصمت، ولنقل الذعر. إنهم في البيت ولا نراهم، وطريقة عيشنا في الحد الأدنى تضغط على الأعصاب. لم يأتوا بعد لكنهم لا بد آتون، ونتهيأ لاستقبالهم بالانزياح نحو زاوية ضيقة والاستعداد لعيش الضنك. يحدث هذا في حروبنا كما في سلامهم، يبدو أن الذعر قدر الإنسان في هذه المرحلة. لا مهرب إلى أي مكان، ويكفي أطفالنا أن يحتفلوا في المدرسة بما يسمونه «أسبوع الابتسامة». ويكفي اننا نتحرر من الوهم حين نعيشه في الواقع. > الثلثاء 20/5/2014: سوزان عليوان أيضاً تحاول أن تتذكر عناوين المجموعات الشعرية لسوزان عليوان، وقد تخونك الذاكرة ولا ينقذك غوغل. في مجموعتها الجديدة «الحب جالس في مقهى الماضي» لا ذكر لعناوين أعمالها السابقة. هل تتقصد سوزان عليوان اعتبار كل كتاب تصدره عملاً أول؟ شعرها يتطلب قراءات من منظورات مختلفة، وليس لي إلاّ الانطباع أمام هذه الغنائية الفتية الهادرة تعبر أيامنا مستوعبة التنوع والغنى، والفوضى أيضاًَ، في نهرها الحي، وتضبط المتناقضات في سحر البراءة. الحب والطبيعة الأولى والطبيعة المصطنعة. تجمع الشاعرة الآهات والأشياء كمن يؤاخي مادة وروحاً. مثل رسام فطري، ولكن باختيارات غير فطرية لإنسان رأى وجرّب وارتأى الكولاج بساطة وبراءة وإشعاعاً. تطبع شعرها من دون دار نشر ومؤسسة توزيع، توصله كمن يهدي باقة زهور برية وتنصرف من دون أن تعرف وقع الهدية. ليست باقة زهور برية، إنها شعر بالغ النضج من حيث يبدو نقطة البدء، أول الخلق ونافورة الماء واللون. من «الحب جالس في مقهى الماضي» هذه المقاطع: - لكن الدرب على قدميك/ رحلة مركب يتلكأ،/ أنت الذي تقتسمك المفارق/ وكلّ كأس في يدك/ نداء غريق. أيها الغريب في متاهة من الورد،/ يا من تشيخ لأجل الحبّ/ بعيداً عن أهلك،/ أنت النهر نفسه الذي يهدر/ كل مرّة في رمالي. - الليل والجسر والنجمة/ وصوتك الملاك النسّاء/ هذا الذي بألف عصفور حول غُصّة/ برغبة جسر في أكثر من الكلام./ من قال إن الحكاية وراءنا؟ بيننا المواعيد التي لا تجرؤ/ السورُ الذي ليس قسوة/ العالم والعاذل وألعاب العناد/ قطعيةٌ بألوان نوافذ. أكثر من بلد وبحر بيننا،/ بيننا رماد المتنبي في كتاب. - ذلك الذي خذلني/ عميقاً كما تضاء بئر، مرة ومرتين وكأنه العالم./ الآخر الذي ليس أنا/ وعيناه مستنقع من دموع. الأشدّ قسوة من وطن،/ الكاذب من جذره حتى ورقة التوت. - لستُ من مطر لأتساقط هكذا،/ لكنها أوراق أيلول. كأننا في أول النسيان/ نحن الذين قطعنا هذه النهاية من قبل. على أفق تركناه/ الغروب الذي ليس كتاباً لنغلقه،/ وكلاماً معلقاً بين مقعدين متقابلين/لعشاق على العتبة لا يعرفون/ أن الذي يجلس وعلى يساره الأزرق/ يتألم أكثر. > الأربعاء 21/5/2014: سوريون التويتر أو الفايسبوك وطن بديل لسوريين. بعضهم في المنافي البعيدة سعيد بهذا الوطن، يرسل الكلام مسؤولاً أو مجانياً ويقارع منفيين آخرين ليشكلوا قضايا تستعلي على الواقع من حيث ظنهم أنها تهتم بهذا الواقع المأسوي. سبق أن عرفنا منفيين لبنانيين قبل التطور النوعي في وسائل الاتصال. كان هؤلاء يحتفظون بعواطفهم تماماً كما كانت لحظة مغادرة الوطن. وكنا نصنفهم بحسب سنوات الهجرة: موديل 1976، موديل 1982، موديل 1987، موديل 2006 الخ... لا تصنيف مثل هذا للمنفيين السوريين، يحتاج وضعهم إلى قراءة معمقة انطلاقاً من ثنائية الفكر الطالع مثل شجرة والفكر الهابط مثل غيمة أو صاعقة. وخارج الموضوع، أو ربما داخله، هذا الصباح في بيروت، تسبقني سيارة فخمة تحمل لوحة سورية. السير بطيء. ثمة سوريات متشحات بالسواد يبعن شوكولا رخيصة لحفظ كرامتهن، تمرّ السيارة السورية ويبقى زجاجها مغلقاً. تلتقي عيون ركابها بعيون النساء. ماذا قالت العيون؟ > الخميس 22/5/2014:بيروت المطر بقطراته وخيوطه ستارة من ماء تحجب الرؤية، فلا أراك حين تغادرين العيادة فيما أدخل إليها. أنت وأنا مريضان في بيت واحد، إذاً فهو بيتان ونحن جيران لا شريكي حياة وسكن. كأننا وحدنا في البناية الصامتة. سافر ابن الجيران بلا عودة فاكتمل الصمت. يعكره أحياناً سعال جيران عجائز، يتخاطبون بالإيماء أو بأصوات خفيضة، لكنهم فجأة يسعلون مثل محرك سيارة مركونة، يدور بصعوبة موزعاً الإزعاج. تتقاطع شرفات الحديد والمرايا تغطي معظم الجدران، ونوافذ قليلة تسمح برؤية العابرين القلّة وسماع ضجتهم. لو أن الرجل العادي (المرأة العادية) يكتب ما حدث له منذ وعي الطفولة إلى آخر وعي الرجولة، بلا ضوابط ولا تفضيلات، لقرأنا برغبة عارمة لنعرف أن العمر نزهة لا تخلو من شوك الحقول والألسنة. لو كتب الرجل (المرأة) فإن البيت يحتل نصف مساحة النص. لأن السكن غلاف الإنسان، أو هو ثوب لا يستبدله إلاّ قليلاً. وأكثر النصوص تأثيراً تلك المعنية بسكن الإنسان. من يذكر رواية عبدالحكيم قاسم «قدر الغرف المقبضة»، عن تخزين القلق حتى آخر العمر وعن الحيرة بين خيمة ومغارة وبيت حجري تغمره الشمس، ولا مجال طبعاً للاختيار. في البناية الصامتة ملامح نهاية المدينة، نهاية ما كان مهرجاناً للتنوع. اليوم الأصداء بدل الأغاني، والظلال التي تركها المحبون على الشرفات راحلين إلى مصيرهم في حرب أو هجرة. نسيت الجارة بابها مفتوحاً، وحين مررت في استراحة درج البناية رأيتها في وهج الضوء تلبس ثوب العرس وتتأبط مانيكان يعرض زياً رجالياً حديثاً. تنبهت الجارة فأغلقت الباب على احتفالها السري. أبواب مغلقة تخفي استعراضاتها هاجسة بحب أو إلفة. كم أن النهاية موحشة.