تحدثنا عن الإنتاج الثقافي الخليجي المندرج تحت عنوان التساخر الغنائي الخليجي الذي عرف عبر اسكيتشات غنائية أدى معظمها ممثلون وممثلات. ولهذه الاسكتشات جذور تراثية تعود إلى ما يتصل بشكل مضمر داخل إطار ما أسميه التساخر الغنائي الذي عرف عند الفنان العماني محمد سلطان المقيمي 1933-1997 الذي غنى مونولوجات ساخرة من أشهرها: السيكل لندروفر خضر والفار والسنور، وعبدالله فضالة الذي أدى أغنيتين من فن الختم بعنوان البيض والسمر، والعجايز 1967، ومنها: يا إله العرش يا من لا يضام. أسألك وأدعوك بأسماك العِظَم / إتفكني من شر عجزٍ جايرات هن تبلّني تقل طلاّب دم / كن لهن عندي على ما قال دين. محللات بجورهن ما جد حَرَم. ومن ثم تابع البحريني محمد زويد في التقاط أغنيات سمعها من مغنيات سوريات وعراقيات في بومبي وبغداد، وأعاد غناءها على فن البستة، القالب الذي يستوعب كل المجلوبات الثقافية في ذلك الحين، مثل: كوكو السورية، ومن عنده تريك العراقية، ويا نواعم يا تفاح المصرية. وقد دفعت أغنية كوكو التي انتشرت في الخليج بفضل محمد زويد أن استمد من جملته الأساسية الملحن أحمد باقر الأغنية التي تشارك في كتابتها مع مبارك الحديبي بعنوان يا فلانة 1978 لمصطفى أحمد، وتناصفا مقطعيها الأولين المكتوب على النمط المثولث يوازي التوشيح: يا فلانة عندك خبر.. إنك ذبحتيتي.. بعيونك الحلوة قلبي بهواك إنجبر.. وإن ما رحمتيني.. يا بلوتي بلوة ويضاف إلى تلك السلسلة من التساخر الغنائي أغنية صبوحة 1983، وهي من التراث النسائي الحضرمي، التي أدتها بتصوير تلفزيوني فرقة التلفزيون الكويتية بإشراف غنام الديكان، ومطلعها: صبوحة خطبها نصيب / رغبانة وابوها غلب / وسرى الليل يالعاشقين وغير أن التجربة التي أقدم عليها غريد الشاطئ بإعادة أغاني وديع الصافي، وتحدثنا عنها في مقالة سابقة، رسخت في الذاكرة لكونها تمثل تزاوجاً ملفتاً بين فن الصوت وفن الفجري، إذ دفعت التجربة أن أعاد توليف الفكرة بصورة مختلفة الموسيقار طلال مع الشاعر الكويتي عبداللطيف البناي لعمل من أرشيف الأغنية الشامية: مرمر زماني، عرفت في الستينيات بصوت فيروز وأعاد صياغتها الأخوان رحباني من أصلها: مرمر زماني يا زماني مرمر / مرمرت قلبي يا ريت ما تتمرمر إلى مرمر زماني يا زمان مرمر/ مرمرتني لا بد ما تتمرر وأضافا إليها مقاطع جديدة. وأعاد البناي كتابة حكاية عاطفية غصنها الأول مَحْدٍ في هالدنيا غيرك ومتعبني وغصنها الثاني: عطني خطا شفته أو ذنب سويته وغصنها الثالث حسبي على يوم عرفتك فيه، ووُظِّف فيها إيقاع فن الصوت مرة أخرى وإنما في محاولة للخروج من خطاب التساخر إلى خطاب التجلي أدمج إليها مركّب التوشيحة من القصيدة الذائعة في التراث العربي للوأوأ الدمشقي سألتها الوصل قالت لا تغر بنا، وهو ذيل فن الصوت العربي يؤدى بصورة جماعية من المغني والكورال ويعقبه تقسيم من آلة العود ودرجت لاحقاً آلة القانون، وقد تجلى في أدائها طلال مداح إذ صدرت في مجموعة غنائية بعنوان الحق معاي 1989. يتميز خطاب التساخر في قدرته على توليف ما لا يولف، سواء من العناصر الأولية للفنون الأدائية أو إعادة تبيئتها من مجتمع إلى آخر. إذ يعد التمثيل الثقافي فرصة لإعادة التجربة بصورة أخرى. يطالع بها كل طرف إلى ما يمكن أن يكون وما ليس مقصوداً وإنما بالافتراض يوجد. هكذا الموسيقى حين تشارك تؤثر في الزمن وحين تكون الأساس توجد الحالة وظرفها ومن يمثلها ويعيشها.