كما ذكر ميلر أن أريكسون لخوفه من الحكم المستبد جراء ظهور الحركة الفاشية في ألمانيا نزح إلى أمريكا وقد اهتم بالمتغيرات الاجتماعية التي حدثت في أمريكا ونتج عنها الفجوة بين الأجيال والتعصبات العرقية، وكان يشغل باله الخطر المحدق بالحرية الشخصية. وقد أضاف الفنان الأخلاقي العقلاني ذو الخبرة في المعالجة النفسية «أريك أريكسون» البعد الاجتماعي إلى البعد النفسي لنظرية فرويد حول «الأنا» إيماناً منه بسير النمو النفسي جنباً إلى جنب مع النمو الاجتماعي مبتعداً كغيره من مفكري جيله عن التركيز على بيولوجية الشخصية في مقابل الاهتمام بالتأثير السريع للمجتمع على عملية النمو والاهتمام بـ «الأنا». يتجلى أسلوب فرويد في اهتمامه بدفاع الناس عن أنفسهم إزاء مواجهة التوترات المؤلمة، بينما يأتي منهج أريكسون إيجابياً، إذ يؤمن بالمحور الأساسي للحياة الذي يتمثل في البحث عن الهوية: وتعني الوعي الشعوري بشخصية الفرد، أما السعي اللاشعوري فهو الجهد لبقاء الشخصية وهو مقياس محاولات الأنا الكامنة للحفاظ على التضامن الداخلي مع مثاليات الجماعة وخصائص الشخصية. الهوية لديه تعني: فهم وقبول النفس والمجتمع من خلال الحياة. نسأل: «من أنا؟»، ونقوم بالإجابة المختلفة في كل مرحلة من مراحل النمو الطبيعية، وهنا ينتقل الطفل لهويته إلى مستوى أعلى عند نهاية كل مرحلة مع الإيمان أن مرحلة المراهقة أكثر تعقيداً لبحثه عن هويته المصطدمة بإرثه الثقافي السابق، أو تغير مجتمعه نتيجة الهجرة، أو الحروب، ففيها يضطر إلى إعادة تعريف هويته وهذا ما سمَّاه بـ «مشكلة الهوية». طرح أريكسون ثلاث طرائق مطورة لدراسة النمو في الشخصية: «الملاحظة المباشرة، مقارنة الثقافات، ومنهج الإحياء النفسي»، وقد توصل عبر خبراته العملية إلى أن: «دراسة الإنسان من حيث أفعاله وليس أفكاره التي يحملها عن الواقع». وقد ارتكز في دراسة مرضاه على تحليل عملية نمو النفس بشكل اجتماعي كما قدم وصفاً لمراحل فترة الحياة، سنتطرق إليها في المقال المقبل بإذن الله. يتبع.