×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / أمير المنطقة الشرقية يستقبل السفير البريطاني لدى المملكة

صورة الخبر

فظيعة هي الأرقام التي تتوارد عن أعداد القتلى الشبان من الموالين للنظام السوري من أبناء الطائفة العلوية. وهي إذ باتت تقارب المئة ألف قتيل، فإنها حصدت نحو نصف الفئة العمرية الأكثر حيوية ضمن هذه الجماعة الأهلية السورية، أي الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين عشرين وأربعين سنة. حدث هذا في فترة قصيرة للغاية، لا تتجاوز الثلاث سنوات، ومن دون أية ردود فعل ملحوظة من قبل «العقل والفعل الجمعي» لهذه الجماعة الأهلية التي تبدو وكأنها متماهية تماماً مع ذاتها، مستسلمة تماماً لخطاب النظام السوري ورؤيته للصراع في البلاد وإيمانه بـ «انتصار» متوهم قريب. صحيح أن هذه الجماعة الأهلية تفتقد أية تنظيمات سياسية أو مؤسسات مدنية أو حتى اجتماعية تستطيع أن تشكل تعبيراً أو مؤشراً على ما تستبطنه من مواقف وآراء وتوجهات، بعدما صحّرتها وجرفتها ممارسات النظام السوري لعقود متراكمة، لتغدو مرجعيتها السياسية والاجتماعية الوحيدة. لكن في المقابل، تظهر الجماعة وكأنها قد استمرأت ما تحياه من ظروف وما تقدمه من «قرابين» وآلام. فأغلب الظن أن خطاباً اجتماعياً ولغة بينية يجريان داخل كتلة الجماعة، وهما مطابقان الى حد بعيد لما تظهره بشكل رسمي، حيث الثقة المتوهمة بالنصر، والتجاوز عن ضراوة «الأعداء» ووحشيتهم ودونيتهم، وعن أهمية وضرورة المنجز والمبذول. كحال المؤيدين للنظام السوري من «العلويين» السوريين، ثمة الكثير من الجماعات والكُتل السكانية والتشكيلات الأهلية في سورية وعموم منطقتنا. كلها تستسهل بذل القرابين وتميل الى اصطناع الملاحم الجمعية الكبرى، يقتنع عقلها الجمعي بسهولة بالغة بضرورة العنف ونجاعته، وينخرط فعلها الجمعي في دورة العنف بأسرع من الانخراط في أية ممارسة أخرى. تُعتبر حركات الإسلام الجهادي «السُنية» وقواعدها الاجتماعية خير ممثل لذلك، ومثلها الأحزاب السياسية الموالية للنظام الإيراني وكتلها الاجتماعية. وفي السياق نفسه، يمكن تصنيف القوميين الأكراد وأحزابهم السياسية، ومثلهم التنظيمات الطائفية اللبنانية والتيارات الجهوية الليبية والسودانية... الخ. فلكل منها كتلة صلبة من «التابعين» المستعدين لبذل كريم وأليم في سبيل ما تظنه خلاصاً مربحاً جمعياً للعوام الذين يتخيلون أنفسهم أجزاء منه. ضمن هذه الجماعات كلها، ذات التكوين الأهلي الأولي والظرف الســياسي والأيديولوجي القاسي، ثمة غمامة من الأدبيات والخطابات والشيفرات السلوكية والهويات الرمزية الداخلية التي تنحلّ معها ظاهراً كل الفروقات، العميقة والحقيقية، بين الأفراد المكونين لها، وهي غمامة تعلن بكثافة عن وجود خـطر مهول يهدد وجود الجماعة بذاتها، وبالتالي جميع الأفراد المكونين لها، وليس فقط بعض مصالحهم ومكتسباتهم ومواقعهم. تحت هول هذا الابتزاز بالخطر الداهم، تتعاظم ثلاث ظواهر متوهمة وغير طبيعية ضمن هذه الجماعات، تدفعها مجتمعة الى استسهال العنف ورفع قدرتها على بذل القرابين وتحمّل أقسى الآلام. يختفي من طرف أي إحساس بتناقض المصالح والأهداف بين «الأفراد» المكونين لهذه الجماعات، وبذا ترتفع قابلية الأضعف لبذل نفسه في سبيل الأقوى، واستعداد الأبسط للتضحية من أجل الأكثر انتهازية، وقبول الأفقر استغلال الأغنى. فكل هؤلاء لا تظهر منهم سماتهم التكوينية تلك، بل يظهرون كأفراد في الجماعة نفسها يستحقون ما يبذل لهم. ومن جهة أخرى، تختفي كل مساحة مشتركة جامعة بين منتمين الى جماعات متعددة ومختلفة ظاهراً. فطالما الجماعة الأخرى هي «الخطر»، فإن كل أفرادها خطرون، البسطاء منهم والأشرار، الفقراء والأغنياء، المتعلمون والجهلة، والسلميون والعنيفون... الخ. فكلهم متساوون في خطورتهم. وبذا يتم استمراء أية تضحية وأي قربان، لأن لا مكان ولا حظ لأي «حل وسط» مع جماعة كل أفرادها مجرد «أشرار». وأخيراً، يتم الحط من قيمة أو قدرة أية شبكات للحماية خارج القوة الذاتية لهذه الجماعات، ويتم الحط من قيمة الدولة وسلطة القانون ودور العقد الاجتماعي وتاريخ التعايش وأهمية المؤسسات والتشكيلات المدنية. وبذا تغدو القوة المحض معياراً وضماناً وحيداً للأمن الوجودي. لم تتكون هذه الجماعات الكثيرة في ربوعنا سوى لأن الربوع نفسها لم تنتج أفراداً ولم تتحول الى مجتمعات قط. هي فقط مجرد أعداد متضخمة من البشر، يعلوهم طيف ضخم يسمى «روح الجماعة»، وإن بعبارات وعناوين «حديثة» مشوهة كأن تسمي نفسها أحزاباً أو أنظمة أو حتى دولاً.