×
محافظة المنطقة الشرقية

النور يهزم الأهلي .. والخليج يفرمل الوحدة

صورة الخبر

يرصد مراقبون سياسيون في كل انتخابات نيابية وجود أسلحة فاعلة مثل المال السياسي والرشاوى والتنفيع والتزوير والواسطة والإشاعات وغيرها، لكن بعضهم بدأ يلاحظ أن هذه الأسلحة تتراجع لمصلحة أخرى أقوى هي الطائفية والقبلية والعنصرية ومختلف اللغات المتطرفة التي صارت «البرامج الحقيقية للمرشحين ولو غلفوها بألف شعار عن الوحدة الوطنية». يقول أستاذ علوم سياسية في جامعة الكويت رفض ذكر اسمه «كي لا يرفعون علي الحد السياسي أو الأكاديمي»، أن المرشحين يخطبون ود الناخبين عبر وعود و شعارات و برامج وندوات متفاوتة ومتباينة للوهلة الأولى، «لكن نظرة فاحصة في كل ما يطرح على الساحة تكفي لمعرفة أن الطرح الطائفي - وإن كان مستتراً - هو المساحة المشتركة التي تتقاطع فيها مصالح الساسة و المرشحين، وأن خلف كل وعد بإصلاح سياسي اقتصادي اجتماعي هناك وعد ببناء حسينية هنا في مقابل وعد بمنع بنائها من طرف آخر، أو وعد بتشديد الرقابة على تبرعات جهة ما بحجة الإرهاب في مقابل وعد بتيسير ذلك لآخرين، أو حتى وعد بأسلمة القوانين والتشدد في الرقابة الاجتماعية في مقابل وعد بمزيد من الانفتاح والقوانين الليبرالية». ولعل ميزة الانتخابات هذه المرة وجود قنوات إمداد كثيرة للطائفية والقبلية وإن غلفت بطابع سياسي، فلن يخلو طرح انتخابي ما من ذكر «داعش» أو «خلية العبدلي» أو دور إيران في الكويت والخليج أو نهج التطرف والتعاطف مع القاعدة أو البصمة الوراثية أو ملف الجنسية أو التزوير أو «الدماء الزرقاء»، ويرى أستاذ العلوم السياسية أن «متابعة بسيطة للندوات والبيانات ستكشف أنها لن تخلو من أي عنصر مما ذكر سابقاً مطعما ببعض قضايا الشباب والتنمية ووقف الهدر ومحاسبة الفاسدين... لكن العمود الفقري للبرامج يكمن في الطائفية والقبلية والعنصرية فهي الأدوات الواقعية للفوز لأن الجمهور عاوز كده». بعض التحليلات يذهب إلى أن الحكومة هي من فتح الباب لمثل هذا الواقع، فهي التي تملك القوة والقدرة والسلطة للتغيير وتنقيح العملية الديموقراطية من الشوائب، لكنها تقاعست عن ذلك، ورغم تلك الاتهامات فإن محاولات عدة بذلت لحلحلة تلك القائمة الحاقدة (الطائفية والقبلية وملحقاتهما) التي لم يشفع عندها مرور ما يزيد على نصف قرن من الديموقراطية، تارة من خلال تعديلات عدة طالت توزيعات الدوائر الانتخابية (عشر دوائر انتخابية منذ العام 1962 حتى مطلع الثمانينات ثم 25 دائرة حتى العام 2008 ليتم بعدها تقليص الدوائر إلى خمس وهو المعمول به حتى اليوم)، مروراً بتغيير آلية نظام الاقتراع (صوتان وفق الدوائر العشر و25 ثم أربعة أصوات وفق الخمس دوائر ليصدر بعدها مرسوم الصوت الواحد)، وأخيراً سن قانون «الوحدة الوطنية» بمرسوم رقم 19 لسنة 2012. كل ذلك الجهد لم يفلح في القضاء على آفات العمل السياسي، بل الأدهى ظفر أكثر المتطرفين المتباهين بالخطاب الطائفي بمقعد نيابي ليصبح للطائفية ممثل برلماني يضفي عليها حصانة، ويبدأ التذمر الشعبي حول ممثلي الأمة «الطائفيين» ممن يمثلون أحياناً «أمماً» أخرى! ليشهد المواطن - تحت قبة عبدالله السالم - تراشقات طائفية وتنابزاً عنصرياً واصطفافات فئوية من قبل ممثلي أمة... ساهمت في اختيارهم. وإذا كانت الطائفية مستنكرة إلى هذا الحد عند الشارع الشعبي، فمن الذي يوصل «النائب الطائفي» إلى قبة البرلمان؟ وإذا كانت الطائفية «منبوذة» اجتماعياً فلماذا يستخدمها الساسة قبل كل انتخاب كضمان للوصول؟ من أين للطائفية بكل هذه «الطاقة» لتتأجج وتستعر إن لم يكن المحيط مناسباً؟ وإذا كانت الطائفية (انعكاساً) لملفات ساخنة مستمرة تجوب المنطقة فلابد لها من (مرآة) تستقطب تلك الانعكاسات! يجيب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت وهو مراقب متابع عن كثب للعملية الانتخابية، أن قاعدة الفيزياء الشهيرة تقول «الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم»، ويرى أن الوحدة الوطنية «شعار نبيل يتشدق به الجميع، لكن إلى أي حد يمارسه المواطن؟ وهل تأصل المفهوم في وجدانه؟ أم إن كلاً يدعي وصلاً بالوحدة الوطنية ويتبرأ من تهمة الطائفية البغيضة علانية، بينما يمارسها في الخفاء، ويقذف بها خصومه لفداحتها؟ أليس النائب الطائفي نتاج تصويت مواطن طائفي؟ ماذا عن المقاعد البرلمانية التي تحسب لطائفة هنا وقبيلة هناك ؟ وماذا عن نظام المحاصصة في التشكيلات الوزارية التي تسعى لترضية هنا وتسوية هناك؟ ماذا عن التصنيف المذهبي لمنطقة سكنية ما وقبلي لأخرى ؟. أليست الإشادة الدائمة - والمستحقة - بالموقف الموحد للكويتيين إبان الأزمات الكبرى اعترافاً ضمنياً بأن الحال ليس كذلك دائماً في الأوقات الأخرى؟ أليس تفجر الطرح الطائفي وتراشق الكراهية في مواقف بعينها يكشف أن جمرة الطائفية تخبو تحت الرماد تتحين الفرص المواتية لتذكيها؟». يختم المراقب القلق رأيه بجملة مقلقة: «لم يكن للطائفية والقبلية والعنصرية أن تصبح جسراً للنجاح لو لم تتأصل لدى قواعد كثيرة خصوصاً قاعدة الشباب... ولكم في الانتخابات التكميلية الأخيرة خير برهان حيث تغيرت التوقعات بعد استخدام كل الأطراف أسلحة الفتاوى والتحريض الطائفي بحيث شعر الناخبون أن المعركة دائرة بين ممثلي طائفتين وليس بين ممثلين للأمة».