×
محافظة المنطقة الشرقية

الأخضر في جدة .. دوماً يعيش الفرحة

صورة الخبر

منذ أقر الكونجرس الأمريكي قانون "العدالة ضد الدول الراعية للإرهاب"، الذي بات يعرف إعلاميا باسم "جاستا"، وأصوات الخبراء والاقتصاديين تتعالى في الولايات المتحدة لسرعة نبذ لقانون وإلغائه، لما يتضمنه من تداعيات آنية ومستقبلية على مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية في العالم، وعلى وضع الدولار الأمريكي في الأسواق الدولية وفي مجال التجارة الكونية، والأكثر وضوحا فقدان الولايات المتحدة مركزها كوجهة للاستثمارات الدولية، وهو ما يضفي عليها مكانة مميزة ويمكن بفقدانها هذا الموقع أن تتعرض لهزة شديدة تصب في مصلحة خصوم ومنافسي واشنطن في المجتمع الدولي. ويعتقد جوزيف إدي المحلل المالي في بورصة لندن، أن المتضرر الأكبر من تطبيق هذا القانون هو الدولار الأمريكي وما يتمتع به من موقع فريد في سوق العملات الدولية. وأوضح لـ "الاقتصادية"، أن القانون قد يسفر في الأمد المتوسط عن تراجع شديد في سعر صرف الدولار في مواجهة العملات الدولية الأخرى، وعلى الأمد الطويل قد يفقد الدولار مركزه المميز في التجارة العالمية التي يتم تداول نحو 67 في المائة من قيمتها بالدولار. ويضيف إدي أن تطبيق القانون سيوجد ردود فعل في الأسواق الدولية بضرورة فك الارتباط مع الاقتصاد الأمريكي، ولا شك أن عملية فك الارتباط ستتطلب كأول خطوة لها إعادة تسعير السلع الأساسية في العالم بعملة غير الدولار، فالنفط على سبيل المثال يسعر بالدولار، ويمكن أن يتم تسعيره بعملة أخرى إلى إضعاف شديد للدولار، وتراجع ملحوظ في مدى القبول الدولي به "كسيد للعملات" الذهب أيضا يمكن إعادة النظر في تقييمه بالدولار، وينطبق ذلك على السلع الرئيسة كالنحاس والزنك والقصدير. وحول مدى إمكانية قيام العديد من الدول بذلك الإجراء يجيب إدي قائلا: "ربما قبل عدة أشهر كانت عملية تحويل تقييم سلعة من السلع من الدولار إلى عملة أخرى يمثل خسارة للعديد من منتجي تلك السلعة، الآن الأمر مختلف فضم اليوان إلى سلة العملات الرئيسية في العالم أحدث تغيرات جذرية في سوق العملات الدولي، فنحن نتحدث عن عملة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والأفق الاقتصادي مفتوح أمام اليوان، خاصة أن الصين تفصل بين السياسة والاقتصاد بشكل أكثر وضوحا من الولايات المتحدة، ومن ثم تحويل عملية تسعير النفط أو الذهب أو المعادن الأساسية من الدولار لليوان الصيني، سيفقد الدولار وضعه كعملة رئيسة في التجارة الدولية". ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور إف إيه نيكولاس أستاذ التجارة الدولية في جامعة كنت، إن هناك عديدا من التداعيات السلبية على الاقتصاد الأمريكي من جراء هذا القانون، ولكن قبل التطرق إليها يجب الإشارة إلى نقطة شديدة الأهمية، فقدرة الدول المتضررة من إصدار هذا القانون أعلى من قدرة المشرع الأمريكي على تطبيقه. وأضاف نيكولاس أن تطبيق هذا القانون في شقه القضائي سيتطلب سنوات طويلة من نظر القضائية والدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الأمريكية، بينما قدرة الخصوم أو الدول المتضررة من تطبيق القانون من إصابة الاقتصاد الأمريكي بالضرر أسرع، لأن الأمر لا يتجاوز إصدار قرارات من سلطات تلك الدول بتغيير مسار استثماراتها في الولايات المتحدة، ومن ثم سيصاب الاقتصاد الأمريكي بضرر بالغ. وأشار نيكولاس إلى أن الأمر لن يقف عند تراجع سعر صرف الدولار، أو فقدانه جزءا كبيرا وملحوظا من قيمته الدولية، ولكن الأكثر خطورة تأثير ذلك في التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وباقي العالم، فتخلي أمريكا عن قاعدة الذهب في سبعينيات القرن الماضي، جعلها أكثر دول العالم مديونية، ولكن بفضل قوة الدولار ووضعه المميز في الاقتصاد الدولي لا تمثل تلك المديونية مشكلة ضاغطة مثلما هو الحال في الصين. وأوضح نيكولاس أن فقدان الدولار قوته، سيفجر مشكلة المديونية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، ويدفعها إلى تبني سياسات تقشفية تقوم على أساس خفض الاستهلاك الداخلي، ومن ثم تقليص تجارتها مع العالم الخارجي، هذا الوضع سيصب بالأساس في مصلحة منافسي الولايات المتحدة مثل الصين واليابان والاتحاد الأوروبي" لكن البعض يرى أن القانون سيؤدي في حال تطبيقه إلى فقدان الثقة الدولية في الأسواق الأمريكية، مما سينعكس سلبا في مجال الاستثمار سواء عبر خفض الاستثمار المباشر أو انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية من الأسواق الأمريكية، أو تراجع المستثمرين عن شراء سندات الخزانة الأمريكية بوريس إلين الخبير المالي في مجال الاستثمار الدولي يعتقد أن التداعيات الاستثمارية السلبية على الولايات المتحدة ستكون خطيرة للغاية، وأن المركز الاستثماري للولايات المتحدة سيتعرض لهزة شديدة إذا ما تم تفعيل هذا القانون وأضاف لـ "الاقتصادية"، أنه يجب التفريق بين نوعين من التأثيرات السلبية في المجال الاستثماري على الاقتصاد الأمريكي، فالنوع الأول يتوقف على حجم استثمارات الدول المتضررة من قانون "جاستا" في الولايات المتحدة، فهناك دول بحجم السعودية على سبيل المثال تتجاوز استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية فقط 750 مليار دولار، ويمكنها أن تتخلص من تلك السندات بالبيع، وهذا سيحدث دوامة في الاقتصاد الأمريكي، والجزء الأول من تلك الدوامة يعود إلى ضخامة المبلغ المستثمر، والثاني أن تخلص دولة بحجم المملكة من استثماراتها في الولايات المتحدة، سيمثل مؤشرا لآخرين للمضي قدما في ذات الاتجاه، فإذا أخذنا في الاعتبار أن الاقتصاد الأمريكي يمر الآن بمرحلة نقاهة وتعافي من تداعيات الأزمة الاقتصادية لعام 2008، فإن انسحاب رؤوس الأموال من الاقتصاد الأمريكي يعني إصابته بهزة شديدة سيصعب الشفاء منها قريبا. وأشار إلين إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب ضخ المزيد من الاستثمارات الدولية في الاقتصاد الأمريكي، وتطبيق قانون "جاستا" سيعني عمليا وقف العديد من الدول من المضي قدما والاستثمار في الولايات المتحدة، وهو ما سيقطع شريان رئيسي لإنعاش الاقتصاد الأمريكي. وفي ظل تلك التوقعات يتنبأ آخرون بأن يكون لقانون "جاستا" تأثيرات ملموسة على خريطة التوازن الاقتصادي العالمي، إذا ما بدأت الدول المتضررة من القانون في سحب استثماراتها من الولايات المتحدة وتوجيها للاستثمار في مناطق أخرى من العالم. وأوضحت لـ "الاقتصادية"، ليزا هانت الباحثة الاقتصادية، أن مليارات الدولارات المستثمرة في الاقتصاد الأمريكي، أسهمت بشكل فعال خلال العقود الخمسة الماضية، في دعم معدلات التوظيف والنمو في الولايات المتحدة، حيث تقدر البيانات الرسمية مساهمة كل مليار دولار مستثمر سواء في سندات الخزانة الأمريكية أو الاستثمار المباشر من إجمالي معدلات النمو الأمريكي بنحو 37.3 في المائة أي أكثر من الثلث، وبنحو 24 في المائة من التوظيف. وأشارت هانت إلى أن طبيعة المنطق الرأسمالي الصرف هو أن سحب الدول لرؤوس أموالها من الاقتصاد الأمريكي، أو التوقف عن المزيد من الاستثمار فيه، يعني عمليا توجيه رؤوس الأموال تلك إلى منطقة أخرى من العالم للاستثمار فيها، والمنطقتان المرشحان لذلك هما شرق آسيا وتحديدا الصين، ومنطقة الاتحاد الأوروبي، ولا شك أن ضح استثمارات بمئات المليارات وبما قد يتجاوز تريليون دولار في دولة كالصين سيؤدي حتما إلى تغير الموازين الاقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة، خاصة بعد أن حققت العملة الصينية اليوان قفزة ضخمة خلال الأيام الماضية، عبر ضمها إلى سلة العملات الدولية، ولا شك أن الصين والاتحاد الأوروبي سيكونان على أتم استعداد لمنح تلك المليارات مزايا استثمارية، خاصة إذ ما رغبت البلدان المالكة لها في استثمارها في أراضيهم.