×
محافظة المنطقة الشرقية

ديبلوماسية الأعداء بين عباس ونتانياهو

صورة الخبر

صالحة عبيد «بما يهمك رأيي؟، إن كنت فنانة حقيقية، فإنك ترسمين لأنه لا يمكنك العيش من دون الرسم، ترسمين ولو كلفك ذلك حياتك»، كانت هذه العبارة هي أول حوار عميق دار بين الفنانة المكسيكية «فريدا كالو» وزوجها لاحقاً والفنان المكسيكي أيضاً «دييغو ريفيرا»، عندما عرضت عليه أول مجموعة قامت برسمها بعد حادثها الكبير الذي جعلها طريحة الفراش لفترة طويلة، أعادت فيها تأهيل مشاعرها لتخرج بشكل شديد الإتقان على الورق.. وهذه العبارة كانت أول وأكثر ما دار في بالي بكثافة وأنا آخذ درس النحت الأول في محترف فلورنسا الفني، ذلك الاستديو الفني الصغير في حجمه المادي، والضخم في معناه الفني لكل من يحسن استدراك التفاصيل، المكون من ثلاث غرف رئيسة تطل على إحدى حارات مدينة فلورنسا الإيطالية، ورغم قرب هذه الحارة من مركز مدينة فلورنسا حيث الكاتدرائية الكبرى، والمزدحم عادة بجميع الأعراق من سياح العالم، إلا أنها تعزلك عن ذلك الزحام بسلام وصولاً إلى ذلك المرتكز الفني، حيث الزوجان الفنانان النحات فرانك روكرت، والتشكيلية لاورا تومبسون، الكنديان الأصل، والمقيمان منذ العام 2010 في مدينة «فلورنسا»، حيث عزلتهما المشتهاة التي تتمحور حول الفنون ممارسةً وتعليماً. نحات استفزه «مايكل أنجلو» لماذا فلورنسا؟ سألت «فرانك روكريت» وهو يأخذنا لنبدأ ممارسة النحت مباشرة، مؤمناً بأن النحت هو انغماس تام في ممارسة صناعة التفاصيل، ليجيبني من دون تردد «لأنني أشعر بالسلام هنا حيث الأعراق تسير جنباً إلى جنب لتستكشف تاريخ هذه المدينة بشغف، كما استمتع بكون كل ما حولي بشكل أو بآخر يحرضني على تضخيم ما حولي من أشكال لتتحول إلى مواضيع نحت، ربما هو شيء من روح هذه المدينة، حيث أعمال مايكل أنجلو ودوناتيلو وغيرهما.. تبقى لتتحدى أي فنان، لتقدم له تلك اللمحة الماكرة والمبهرة معاً، التي تستفز فيه إمكانية أن ينتج عملًا خالداً كالذي سبق وأنتج». يعيدني كلامه هنا إلى ذلك الاستفزاز العظيم، المؤلم والمحرض معاً، لكل ما يرتبط بالنتاج الإبداعي على مر العصور، حول إمكانية أن يقال أكثر مما قيل، ويرسم أكثر مما رسم، أو ليبتدع أكثر مما ابتدع بالمجمل، ورغم أنني كنت أعمل في درسي الأول ذاك، وأنا أحاكي نموذجاً لجسد بشري كان فرانك قد عمل عليه مسبقاً، إلا أنني أخذت أشعر بالتدريج بأن هناك الكثير ليقال بعد، وأن كل ضربة لبشري ما، على هذا الوجود، تحتمل الاختلاف أكثر مما تمتلك التجانس، كان النحت في ذلك المحترف، إمكانية جديدة للإجابة على الأسئلة، للتمازج مع القلق بهدوء، فيما يأتي «فرانك» بين لحظة وأخرى ليقوم ما يُصنع، بأسئلة جديدة حول ما نراه مناسباً، لتكون هذه المنحوتة الآيلة للتشكل، أشبه باستجابة إنسانية لإمكانية أن يجرب الكائن الحي معنى تكوينه البسيط الأول.. وما يمكن أن يتعدى ذلك ليعيد تدعيم هذا العالم الهش، بكل أسباب الهدم الممكنة من تمزق أخلاقي، وتدميرية آلية تصنعها آلات الحرب والتعطش للسيطرة والهوس الجيني بصناعة كائن لا يتعب ولا يمرض ويعيش خالداً للأبد. لم أحاول أن أحاكي ردة فعل «مايكل أنجلو» بعد أن انتهى من نحت «داوود» قائلاً له تكلم، بعد أن أنهيت المنحوتة الأولى، لكنني رحت أعيد التأمل فيما حولي من أعمال حاضرة «لفرانك روكريت» شارك بها في معارض سابقة، إضافة لأعمال نحتية كثيرة لطلابه، تحيط بها في أنحاء متفرقة من المحترف أعمال زوجته التشكيلية التي كان صوتها يأتي منساباً مع الموسيقا من الغرفة المجاورة، حيث كانت تعطي درساً في طريقة رسم الظِلال لآخرين من أماكن أخرى مع العالم، ورحت أفكر عما تخلى عنه هذان الفنانان هنا من حياة قريبة من العائلة والنمط السريع، لقد لفظا العالم الاعتيادي بطريقتهما الخاصة، وصنعا عالماً آخر، قائم على كل التفاصيل الفنية الممكنة، حيث يعيدان التعرف على الكائنات البشرية التي تشبهما من خلال هذه الدروس والمعارض التي ينظمانها عن قصد، وهما في خضم ذلك، يدركان عن الحياة أكثر مما تأتي به نشرات الأخبار المعلبة، والشبكات الافتراضية المتشنجة، لأنهما يتناولانها طازجة من الانطباعات التي يشكلها دارسوهما عن الأماكن التي جاؤوا منها، وما تحفل به من أحداث مشعة في أحيان ومعتمة في أحيان كثيرة، وهو الأمر الذي يأخذهما لاحقاً لإسقاطها على أعمال صادقة.. قائمة على القلق من الاضطراب البشري العظيم الذي يمور به الكون. ... المزيد