استغربت فكرة طرحتها واحدة من الفضائيات العربية عن توطين اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري، واستغرابي لا يكمن في استهجان الفكرة وغرابتها، وإنما في جرأة طرحها، وتوقيتها، وكلها تفاصيل تستحق التوقف عندها رغم ما يحيط بالفكرة من ملابسات والتباسات. وطرح فكرة توطين اللاجئين السوريين، تستمد أساسها مما آلت إليه حال السوريين بعد ثلاث سنوات من مسار الدم والدمار الذي مضى عليه النظام في تعامله مع ثورة السوريين من أجل الحرية والكرامة وسعيهم المعلن من أجل دولة ديمقراطية، توفر العدالة والمساواة لكل السوريين، وقد تمخض مسار الدم والدمار السوري عن هجرة أكثر من خمسة ملايين سوري إلى دول الجوار والأبعد منها، بل إن الرقم مرشح للزيادة في خلال العام الحالي ليصل رقم السوريين اللاجئين والمغادرين إلى نحو سبع ملايين نسمة أو أكثر بقليل حسب أكثر التقديرات شيوعا، مما يعني أن أعداد السوريين إلى زيادة في دول الجوار، مما يتطلب برامج لمساعدتهم واستيعابهم، وربما سيؤدي ذلك إلى توطين البعض منهم. غير أن فكرة توطين السوريين في دول الجوار، تواجه مشكلات متعددة بعضها يتعلق بالسوريين والبعض الآخر يتعلق بالمحيط الإقليمي والدولي. وإذا كان هناك تأييد لفكرة توطين اللاجئين في دول الجوار من جانب النظام الذي يدفع إلى هجرة ملايين السوريين نحو الخارج ويسهل ذلك بصورة واضحة، فإن كثيرا من السوريين ولا سيما اللاجئين منهم يعارضون فكرة الهجرة والتوطين، ومعظم الذين غادروا أو لجأوا إلى دول الجوار، يتطلعون إلى وقف عمليات القتل والدمار في سوريا، ليعودوا إلى بيوتهم وأعمالهم وحياتهم العادية، خصوصا أن ظروف اللجوء وشروطه في كل بلدان الجوار تحت المستوى الإنساني وحياة السوريين فيها تواجه صعوبات لا حدود لها، والأهم من ذلك أن السوريين وقفوا ضد النظام وسياسات النظام، وأطلقوا ثورتهم ليس من أجل مغادرة بلادهم واللجوء والتوطين في بلدان أخرى، وإنما من أجل العيش بحرية وكرامة في بلدهم. ووسط أسباب سياسية ومعيشية تدفع أغلب المهاجرين السوريين إلى رفض التوطين، فإن ثمة أسبابا متعددة في دول الجوار والعالم تمنع الذهاب إلى توطين السوريين في دول الجوار والأبعد منها، ولعل الأهم في هذا الجانب ممانعة دول الجوار لعملية التوطين لأسباب سياسية وأمنية ومعيشية واقتصادية، حيث أغلب دول الجوار تعاني من مشكلات جدية تمنعها من استيعاب وتوطين سكان جدد فيها خاصة من السوريين الوافدين إلى تلك البلدان، وأغلبهم من العرب المسلمين السنة المتمردين على نظامهم، وقد تم تدمير كثير من قدراتهم وإمكانياتهم في مواجهة ظروف العيش خارج بلدهم، ويعجزون بسببها عن توفير احتياجاتهم الأساسية من غذاء، وإيواء وصحة ودواء وتعليم وغير ذلك من احتياجات. ففي الأردن ثمة نقص في الموارد وفي فرص العمل وثمة نقص في احتياجات أساسية ومنها نقص مياه الشرب، ويعجز لبنان عن توطين السوريين فيه، منعا لاختلال الديموغرافيا الطائفية هناك، ويصبح السنة في لبنان القوة الأكبر مقارنة ببقية الطوائف اللبنانية وهذا سوف يزيد حضورهم ومكانتهم في النظام القائم على تقاسم طائفي، والأمر ذاته ينطبق على العراق رغم محدودية وجود اللاجئين السوريين في العراق وفي إقليم كردستان العراق، كما أن توطين أكثر من مليون ونصف مليون سوري في تركيا هو أمر غير وارد، إذ تمثل هذه الخطوة عبئا اقتصاديا وثقافيا واقتصاديا على الواقع التركي الساعي إلى إحداث نقلات جوهرية في واقع تركيا ومستقبلها. إن ممانعة دول الجوار توطين اللاجئين السوريين، تمثل مواقف حقيقية، تستند إلى معطيات ووقائع، لكنها أيضا تستند إلى فكرة سياسية مؤداها، أنه لا يجوز مكافأة نظام الأسد على سياسته وممارساته الدموية بما في ذلك سياسة تهجير السوريين خارج بلادهم، وتحمل نتائج تلك السياسة، وكلاهما أمر ملحوظ في ممانعة الدول الأخرى توطين اللاجئين السوريين حيث وصلوا، بل إن تلك الممانعة سوف تستند في أحد أسبابها إلى عدم توفير المال اللازم لتغطية احتياجات اللاجئين، وقد أعدت الأمم المتحدة موازنة تقدر بخمسة مليارات دولار لتغطية احتياجات اللاجئين السوريين وهي أكبر موازنة في تاريخ المنظمة الدولية، والحاجة ستكون أكبر، إذ تم تبني موضوع توطين اللاجئين في ظل عجز دولي حقيقي عن توفير مبالغ أقل من ذلك بكثير من أجل الاحتياجات الإنسانية الأساسية. خلاصة القول في موضوع توطين اللاجئين السوريين في دول الجوار والأبعد منها، أن مثل هذه السياسة غير ممكنة لأسباب ومعطيات واقعية في المستويين الداخلي والخارجي رغم أن النظام يسعى لها من خلال تهجيره ملايين السوريين للخارج، لكن معارضة توطين اللاجئين السوريين، لم تمنع دولا وخصوصا في أوروبا والأميركتين من عمليات توطين لبعض السوريين وعائلاتهم في إطار معالجة قضايا إنسانية أغلبها كان نتيجة لناشطين في الحراك المدني أو في العمل العسكري وغيرهما من أنشطة مناهضة للنظام، لكن أغلب اللاجئين السوريين والمهجرين يتطلعون للعودة إلى بيوتهم وحياتهم بعد أن تتوقف دموية ودمار النظام ويعود السلام إلى سوريا.