×
محافظة المنطقة الشرقية

اليوم الوطني / الشريف : اليوم الوطني يوم يرفع فيه المواطنين رؤوسهم شموخاً وفخراً وعزة بما تحقق في بلادنا

صورة الخبر

يذكر النقاد عادة فيلم «الملكة كريستينا» لروبين ماموليان، من تمثيل غريتا غاربو، بالخير معتبرينه واحداً من أكثر أفلام هوليوود إنسانية في سنوات الثلاثين. وكان هذا يسرّ مخرجه الذي كان يعتبره واحداً من أجمل أفلامه. ولكن حين كان النقاد يسألونه عن الخطأ الفني الشهير الذي يسم آخر مشهد في الفيلم حيث تكون الملكة السويدية السابقة على متن السفينة المبحرة بها الى منفاها في إسبانيا، فيتطاير شعرها في مشهد رائع ولكن على العكس من هبوب الريح الذي يدفع السفينة، وكيف فاته تطاير الشعر والسفينة في اتجاهين متعاكسين، كان يضحك قائلاً إنه «شعر ملكة - حتى ولو كانت سابقة - ويمكنه أن يتطاير كما يشاء». وطبعاً لم يؤثر هذا الخطأ في الفيلم نفسه ولا في إقبال الجمهور عليه. بل بالكاد تنبه له أحد غير النقاد. وفي المقابل حقق الفيلم نجاحاً كبيراً في كلّ مكان عُرض فيه وأوصل شعبية غريتا غاربو الى الذروة بعدما كانت توقفت قبله عن العمل لعام ونصف العام معلنة تعبها من التمثيل. هذا الفيلم أعاد اليها حماسها. والدور الذي لعبته فيه وكانت في الثامنة والعشرين، أعاد ربطها بالفن السينمائي. > الدور كان بالطبع دور تلك الملكة السويدية الشابة التي تسلمت الملك وهي في السادسة من عمرها لتتنازل عن العرش وهي في الثامنة والعشرين ولسان حالها يقول - في الفيلم ولكن ليس في الحقيقة التاريخية التي استُلهمت بتصرف كبير في هذا العمل الفني - «سوف أبقى عزباء الى الأبد». وكان هذا جوابها على اهل البلاط الذين كانوا يصرون عليها كي تتزوج، أما هي فلم تكن تريد ذلك، ولم تكن تتطلع لإنجاب أطفال، فيما تقضي ضرورة منصبها أن تفعل عكس ما تريد. ولئن كان الواقع التاريخي لا يقدم جواباً حاسماً على السبب الذي دفعها في اتجاه ذلك الموقف القاطع الذي كلفها عرشها ودفعها الى منفاها الإسباني (وكان ذلك في القرن السابع عشر أيام كانت السويد دولة كبرى)، فإن الفيلم يقدم تفسيراً يقوم على أن كريستينا أُغرمت برسول إسباني وسيم هو أنطونيو الذي بعثه القصر الإسباني اليها لشؤون سياسية، وذلك في وقت كانت مطالبة رسمياً بأن تتزوج من ابن عمها كارل غوستاف كما تقتضي التقاليد. لكنها بلغت من الوله بالشاب الإسباني الوسيم الى درجة أنها قررت الزواج منه وجعله ملكاً على فؤادها وبلادها. لكن كبار القصر ولا سيما كبار رجال الدين ابلغوها أن ذلك مستحيل، لأنها بروتستانتية والإسباني كاثوليكي بابوي، وبين الكنيستين دماء وصراعات (فنحن هنا أيام حرب الثلاثين عاماً). لكن الفوارق الدينية لم تبد كافية إذ إن واحدا من النبلاء وكان يتطلع هو الآخر للزواج منها يؤلب الناس على انطونيو ويخوض معه عراكاً دامياً. عنذاك إذ تجد الملكة الشابة نفسها أمام الطريق المسدود لم تتردد عن التنازل عن العرش لكارل غوستاف. وترتحل قاصدة اسبانيا حيث قررت ان تلتقي هناك حبيبها لتعيش معه «في بيت أبيض يطل على زرقة البحر الرائعة» كما كانا يخططان. لكن الذي يحدث هو أن أنطونيو بعد فراره من السويد يُقتل بفعل جراحه، فتواصل السفر وحدها لتعيش حيث كان ينبغي أن تعيش مع حبيبها. ولعل فكرة الرحيل هذه هي ما حبّب مخرج الفيلم بالموضوع ودفعه الى انجاز الفيلم بكل حماسة. > فحتى قبل رحيله بأعوام قليلة كان يحلو لروبين ماموليان أن يجيب من يغامر بأن يسأله: في نهاية الأمر، ما هي هويتك الحقيقية؟ بأن هويته الحقيقية هي السينما «هي الجنسية والوطن، وهي المجاز الذي يمكنه أن يصوّر علاقتنا بأميركا خير تصوير»، كان يضيف. والحال ان ماموليان، الأميركي من أصل روسي، والروسي من أصل أرمني، والأرمني من أصل شركسي - تركي، كان يجسّد فعلياً تلك البداوة التي لم يكف الفن في القرن العشرين عن عيشها. وكان من الطبيعي لموهبة من طينة موهبته أن تستقر في الولايات المتحدة، لأن البداوة وهذه الأمة صنوان، والفن وأميركا في القرن العشرين قرينان. أو هذا ما كان يراه ماموليان على أية حال. والحقيقة أننا لو تفحصنا الفن السينمائي الأميركي على طول تاريخه، الذي هو تاريخ قرننا العشرين هذا، سيتبين لنا حقاً أنه فن البداوة والاختلاط بامتياز. فالسينما الأميركية صنعها أناس وصنعتها تقنيات وصنعتها مواضيع اتوا وأتت من شتى أنحاء العالم، لتختلط في تلك الدنيا الغريبة عبر كوزموبوليتية لا شبيه لها في تاريخ البشرية. من هنا اعتبار ماموليان أن السينما هويته ووطنه. والسينما الأميركية تحديداً. > في تلك السينما كان ماموليان مجدداً حقيقياً، منذ وصل هوليوود قادماً من برودواي، هو الذي كان وصل أميركا قادماً من موسكو من طريق لندن. وعلى الفور، هناك، قدم ما عنده وأضاف إلى ما عنده ما عند أميركا، فكان بهذا واحداً من الذين صنعوا العصر الذهبي للسينما الأميركية... سينما العالم. > مواضيع أفلام ماموليان كانت، آتية من أنحاء متفرقة من العالم: مكسيك «زورو»، روسيا «نينوتشكا»، لندن «دكتور جيكل ومستر هايد» ولا سيما سويد «الملكة كريستينا». من هنا لم يكن من قبيل المصادفة أن يدعى ذات مرة لتحقيق ذلك الفيلم الشهير الأسطوري عن الملكة المصرية كليوباترا، لكنه لم يكمل المشوار، إذ أُسند الفيلم في نهاية الأمر إلى جوزف ل. مانكفيتش، فكان واحداً من أكبر اخفاقات هوليوود، واضعاً نهاية لمسار إليزابيث تايلور... مهما يكن في الأمر، فإن استبعاد ماموليان عن تحقيق «كليوباترا»، كان نهاية عمله السينمائي، إذ إنه اخلد بعد ذلك إلى صمت طال أكثر من ربع قرن، قبل رحيله عام 1987، وكان خلال ذلك يراقب السينما وتطوّرها ويتحسر على أيام العصر الذهبي والسينما الأميركية - العالمية، ويتذكر كيف أن رجل العصابات الشهير آل كابوني، أبلغه ذات مرة اعجابه بواحد من أول أفلامه «شوارع المدينة». > ولد روبين ماموليان في روسيا في العام 1897، وتدرب في «مسرح الفن» الشهير في موسكو، قبل أن تنتقل به ظروفه العائلية وهو بالكاد تجاوز العشرين من عمره إلى لندن حيث عمل في مسارحها، ثم انتقل إلى نيويورك حيث انضم إلى مسارح برودواي، وفرض نفسه كمخرج استعراضات قدير ادخل على مسرح ذلك الحين لمسات روسية فولكلورية وموسيقية ملفتة. وهو حقق هناك من النجاح ما جعل هوليوود تستدعيه في العام 1929، حيث حقق الفيلم الاستعراضي «تصفيق» الذي جدد فيه في النطق كما في استخدام الكاميرا استعراضياً. وبعد عامين حقق «شوارع المدينة» كنمط جديد من سينما العصابات. ومنذ تلك اللحظة لم يتوقف عن العمل، بل راح يحقق ما معدله فيلم في العام، وراحت شركات الإنتاج توفر له أفضل المعاونين وأفضل الممثلين، حيث نجده يستخدم موريس شيفالييه وغاري كوبر وغريتا غاربو وجانيت ماكدونالد، وصولاً إلى مارلين ديتريش. > تنوعت مواضيع وأساليب ماموليان بكثرة، لكن طابعاً شاعرياً مؤكداً غلب عليها، بحيث أن النقاد لم يتوانوا عن أن يطلقوا عليه لقب «شاعر هوليوود»، بل إن البعض قارنه بمارك شاغال في الرسم. أما هو، فإن الثناء لم يوقفه عن تطوير نفسه وتجديدها. وهكذا، حتى حين حقق فيلم مغامرات بعنوان «علامة زورو» عن مغامرات البطل المكسيكي الشهير، من تمثيل تايرون باور، لم يتردد في ان يجعل مبارزة سيوف بين البطل وخصمه، أشبه برقصة باليه تؤدّى في مكان مغلق. وحتى اليوم لا يزال ذلك المشهد يعتبر من أجمل مشاهد المبارزة بالسيف في تاريخ السينما. بعد ذلك حقق ماموليان أفلاماً كثيرة، وكان دائم التجديد. غير ان حركته تباطأت في سنوات نشاطه الأخيرة، على رغم نجاحات كبيرة حققها في ذلك الحين. وهكذا راحت المشاريع تسند إليه ثم تسحب منه تباعاً، خصوصاً مشروع «بورغي وبيس» (عن روميو وجولييت) الذي أُعطي لأوتو بريمنغر، ومشروع «كليوباترا». وهكذا انتهت حياته السينمائية باكراً. وحين رحل عن عالمنا كان أضحى نسياً منسياً، بالكاد يتذكره أحد إلا حين يؤتى مثلاً على ذكر غريتا غاربو التي كان من مخرجيها المفضلين وأعطاها في «الملكة كريستينا» واحداً من أدوارها الأكثر تألقاً.