على رغم مرور أكثر من 15 سنة على رحيل سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني، لا تزال محل جدل في الأوساط الفنية والثقافية، لا سيما أن كُثراً بينهم شقيقتها يؤكدون أنها قُتلت، بينما يرى آخرون أنه لا جدوى من الاستمرار في البحث عن إجابة عن هذا السؤال الافتراضي الذي لم تستطع السلطات الأمنية في بريطانيا الإجابة عنه على مدار تلك السنوات التي مرت على رحيلها. «الحياة» التقت المخرج المصري علي بدرخان (1946)، طليق الفنانة الراحلة سعاد حسني (1942 - 2001)، للحديث في قضايا لا تزال غامضة أو عالقة إذا صح التعبير. يقول بدرخان: «تلقيت خبر رحيل سعاد بصدمة كبيرة، وفي بادئ الأمر لم أصدق كل الأخبار ولكنني أجريت اتصالاتي وتأكدت فيما بعد، فدعوت لها بالرحمة، ومنذ رحيلها، فإن كُثراً من الناس لا يزالون يتاجرون بقضيتها، في الوقت الذي لم تستطع فيه «سكوتلاند يارد» (الشرطة البريطانية) الكشف عن حقيقة ما إذا كانت قتلت أم انتحرت، لا أحب الحديث في هذا الأمر، لكنني أدعو الآخرين إلى الصمت، لقد ماتت سُعاد ولن يُجديها أي شيء سوى الدعوة بالرحمة». وحول العمل الدرامي الذي تناول حياة سُعاد حسني، يوضح «إنها قيمة فنية كبيرة وكان يجب أن يكون للعمل الذي تناول حياتها معنى، وأن يدور حول الجانب الإنساني في شخصيتها، وحياتها البسيطة، وإصرارها على النجاح، ودأبها على الدراسة والعلم حتى استطاعت تكوين نفسها، وأصبحت لها مكانة كبيرة في الوسط وفي حياة جمهورها، العمل افتقد كل هذه الأمور، وما رأيناه مُجرد نميمة ولا يرقى لتناول حياة قيمة فنية كبيرة مثل سعاد، وأعتبره قلة أدب وخيانة للعيش والملح». وكشف «بدرخان» عن عودته إلى الإخراج مجددًا بعد توقف دام لأكثر من أربع عشرة سنة، مشيراً الى أنه يستعد لعمل درامي مأخوذ عن رواية «المرشد»، وهي من تأليف الكاتب والروائي المصري المستشار أشرف العشماوي. وتتحدث الرواية عن المرشد المُتعاون مع الشرطة، الذي استغل علاقته في القيام بأعمال خارجة عن القانون، اذ عمل بتجارة الآثار وتهريبها. ويضيف: «هي حكاية بدأت قبل سنوات طويلة لنهب آثارنا، والناس أقدمت على بيع تراثنا لتحقيق مكاسب مادية، هذه ليست مجرد جريمة سرقة عادية إنما جريمة في حق الوطن والحضارة وفي حق الإنسانية، نطرح الموضوع من أجل رسالة إنسانية تنويرية، تهدف إلى توعية المواطنين، وحثهم على طلب النجدة إذا ما رأى أحدهم هذا المشهد، لأنه يتعلق بحضارة هذا الوطن وماضيه، أما الغياب والعودة إلى الإخراج فيعودان إلى القيمة الفنية والثقافية التي أبحث دائماً عن تقديمها إلى الجمهور». وعن تقييم حال السينما الراهنة، يقول بدرخان أن المُشكلة «ترجع إلى الاستسهال غير العادي في اختيار الموضوعات الفنية والقصص التي تقدمها، وأصبحت الأعمال المعروضة بعيدة عن التراث الثقافي والأدبي المصري والعربي، تستلهم أفكارها من الغرب وهو مشروع مُهم لكن لا يجب أن يكون قبل أن نهضم ثقافتنا وتراثنا ومن ثم تكون لدينا القدرة على الاقتباس وليس النقل الذي أعتبره سرقة، واقعنا في كل الأمور بات أسوأ مما كان عليه قبل ما يزيد على خمس وعشرين سنة». وأرجع ضعف الأعمال الفنية إلى ضعف كُتاب السيناريو وخلطهم بين كتابة السيناريو والتأليف، مشدداً على أن «كاتب السيناريو حرفي وليس مؤلفاً ويقتصر دوره على نقل الأفكار والأعمال الأدبية وصياغتها في أعمال سينمائية»، وإذا ما أراد أن يُصبح مؤلفاً عليه أن يسأل المؤلف ماذا فعل وكم عدد الكتب التي قرأها وعدد المحاولات التي قام بها حتى استطاع نشر قصته الأولى. ويرى بدرخان أن تراجع الدولة عن دورها في صناعة السينما وترك المجال إلى القطاع الخاص كان لهما تأثير كبير على هذا التراجع الذي لحق بالسينما، خصوصاً أن القطاع الخاص لا يبحث إلا عن المكسب المادي وتحقيق الأرباح دون النظر إلى القيمة الفنية أو الثقافية أو الفكرية التي يُمكن تقديمها من خلال تلك الأعمال، وهو ما انعكس على انتشار الأفكار الرجعية بين الشباب. وطالب بضرورة أن تعيد الدولة اهتمامها بالثقافة والفن لأنهما ينعكسان على دعم الأمن في مواجهة الأفكار المتطرفة، خصوصاً أن الجاهل يُمثل خطراً حقيقياً على الدولة لسهولة السيطرة عليه واللعب بأفكاره على عكس الإنسان المُثقف الواعي.